لمَّا وَلِي عمر بن عبد العزيز استعمل ميمون بن مهران على الجزيرة . واستعمل ميمون بن مهران على (قرقيس)) رجلاً يُقال له : (علاثة) . فتنازع رجلان فقال أحدهما : مُعاوية أفضل مِن عليٍّ وأحقُّ . وقال الآخر : عليٌّ أولى مِن مُعاوية .
فكتب عامل (قرقيس) إلى ميمون بن مهران بذلك ، فكتب ميمون بن مهران إلى عمر . فكتب عمر إلى ميمون بن مهران أنْ اكتب إلى عامل (قرقيس) أنْ أقم الرجل الذي قدَّم مُعاوية على عليٍّ بباب المسجد الجامع فاضربه مئة سوط ، وانفه مِن البلد الذي هو به . فأخبر مَن رآه وقد ضرب مئة سوط وأخرج مُلبَّباً (أي : مأخوذاً بتلابيبه) حتَّى أُخرج مِن باب يُقال لها : باب الدين .
يبدو أنَّ عمر قد أدرك أنَّ الجدل في أفضليَّة مُعاوية كان خُطَّة جديدة للمُعاندين ، وأنَّهم مِن هذا الطريق يُريدون أنْ ينالوا مِن مقام الإمام علي الشامخ ، وأنْ يُسيئوا إليه ليُعيدوا السبَّ والشتم إلى الوجود بصورة أُخرى ويواصلوا أُسلوبهم الخبيث الظالم . إلاَّ أنَّ خليفة المسلمين أدرك سوء نيَّتهم هذه ، فأحبط خُطَّتهم بأمره الصريح القاطع [1] .