كان إسماعيل بن أحمد الساماني يحكُم بلاد ما وراء النهر ، فعزم عمرو بن الليث الصفاري على أنْ يُحاربه ، ويُخرجه مِن ما وراء النهر ، ويضمَّ أرضه إلى أرض بلدته التي يحكمها ، فجهَّز جيشاً كبيراً في نيسابور ، ثمَّ انطلق نحو بلخ ، فبعث إليه إسماعيل بن أحمد برسالة قائلاً :
إنَّك تحكم أرضاً واسعة بينما لا أحكم أنا إلاَّ على منطقة صغيرة مِن ما وراء النهر ، فاقنع بما عندك واترك لي ما عندي . ولكن عمرو بن الليث لم يلتفت إلى قوله ، وواصل سيره وعبر نهر جيحون وطوى المنازل حتَّى بلغ بلخ .
هناك اختار مكاناً لجيشه ، حيث حفر الخنادق وأعدَّ المراصد وقضى بضعة أيَّام يتهيَّأ للقتال ، بينما ظلَّت فرق جيشه تتوافد وتستقرُّ في المكان المُخصَّص لها .
أمَّا قوَّاد إسماعيل بن أحمد وحاشيته ، الذين كانوا قد سمعوا بشجاعة عمرو بن الليث ، فعندما شاهدوا كثرة جنوده المُدجَّجين بالسلاح ارتعبوا وتشاوروا فيما بينهم قائلين : إنَّنا إنْ دخلنا الحرب مع عمرو وجنوده الأشدَّاء فإمَّا أنْ نُقتل عن آخرنا ، وإمَّا أنْ نولِّي الأدبار عندما يَحمى وطيس الحرب ونرضى بذِلِّ الفرار ، وكلا هذين الأمرين ليس فيهما عقل ولا صلاح ، فمِن الخير ـ إذنْ ـ أنْ نغتنم الفرصة فنتقرَّب إليه ونطلب منه الأمان قبل أنْ تقع الهزيمة المُحتَّمة فهو رجل عاقل وقويٌّ ، ولا يُنتظر منه أنْ تشوَّه سمعته بقتل هذا وذاك وهو سلاح العجزة والحَمقى .
فقال أحد الحاضرين : هذا كلام معقول ونصحُ شفوق فلا بُدَّ مِن العمل به .
فتقرَّر أنْ يجتمعوا في ليلة مُعيَّنة ؛ لينفذُّوا ما عزموا عليه ، وفي الليلة المُعيَّنة اجتمعوا وكتب كلٌّ منهم رسالة إلى عمرو يَعرضون عليه إخلاصهم ووفاءهم له طالبين منه الأمان ، ووصلت الرسائل إلى يد عمرو ، فقرأها واطّلع على مضامينها ، ووضعها في خُرجه وختمه بختمه وأرسل إليهم بالأمان الذي طلبوه .
ودارت رَحى الحرب وانتصر إسماعيل بن أحمد بخلاف ما كان قوَّاده يتوقَّعون،