كان ليزيد بن أبي مسلم مقامٌ رفيعٌ في حكومة الحَجَّاج ، إذ كان كاتبه الخاصَّ ، ولكنَّه كان يتدخَّل في كلِّ أمر . وفي أيَّام خلافة سليمان بن عبد الملك طُرِد مِن وظيفته وأصبح غير مرغوب فيه .
وفي يوم مِن الأيَّام أُدخل على سليمان بن عبد الملك وهو مُكبَّل بالحديد ، فلمَّا رآه ازدراه ، فقال :
ما رأيت كاليوم قطُّ . لعنَ الله رجلاً أجرك رَسنه وحَكَّمك في أمره .
فقال له يزيد : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإنَّك رأيتني والأمر عنِّي مُدبر ، وعليك مُقبل ، ولو رأيتني والأمر مُقبل عليَّ لأستعظمت منِّي ما استصغرت ، ولأستجللت منِّي ما استحقرت .
قال : صدقت ، فاجلِس ، لا أُمَّ لك .
فلمَّا استقرَّ به المجلس ، قال سليمان : عزمت عليك لتُخبرني عن الحَجَّاج ، ما ظنُّك به ؟ أتراه يهوي في جهنَّم ، أمْ قد استقرَّ فيها ؟
قال : يا أمير المؤمنين ، لا تقلُ هذا في الحَجَّاج ، فقد بذل لكم نصَفه وأحقن دونكم دمه ، وأمَّن وليكم ، وأخاف عدوَّكم ، وإنَّ يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك ويسار أخيك الوليد ، فاجعله حيث شئت .
فصاح سليمان : أُخرج عنِّي إلى لعنة الله .
ثمَّ التفت إلى جلسائه فقال : قبَّحه الله ! ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه ، ولقد أحسن المُكافأة ، خلُّوا سبيله [1] .