في القَرن السادس الهِجري وصل (ابن سلاَّر) ـ وكان ضابطاً في الجيش المصري ـ إلى مقام الوزارة ، وراح يحكم الناس بكلِّ اقتدار .
كان هذا مِن جِهة شجاعاً نشيطاً ذكيَّاً ، وكان مِن جِهة أُخرى أنانيَّاً فظَّاً ظالماً ، وقد خدم أثناء حُكمه كثيراً ، كما ظلم كثيراً .
عندما كان (ابن سلار) ضابطاً في الجيش ، حكم عليه بدفع غرامة ، فشكا الأمر إلى (أبي الكرم) مُحاسب الديوان وأوضح له الأمر . غير أنَّ أبا الكرم أهمل كلامه بحَقٍّ أو بدون حَقٍّ ، وقال له : إنَّ كلامك لا يدخل في أُذني . فغضب ابن سلار منه وحقد عليه ، وما أنْ تسلَّم مقام الوزارة حتَّى انتهز الفرصة للانتقام ، فألقى القبض عليه ، وأمر أنْ يدقَّ في أُذنه مسمار طويلاً ، فدقَّ حتَّى خرج مِن أُذنه الأُخرى . ومع كلِّ صرخة مِن صرخات أبي الكرم عند طَرق المسمار في أُذنه ، كان ابن سلار يقول له : الآن يدخل كلامي في أُذنك . ثمَّ أمر بشنق جُثَّته الهامدة بتعليقه مِن المسمار الداخل في رأسه .
لقد جرح أبو الكرم خاطر ابن سلار وأصاب قلبه بكلامه . ولو كان ابن سلار مِن ذوي السجايا الإنسانيَّة ، سليم الفكر ، لبرئ جُرح قلبه بعد بضعة أسابيع أو شهور ، ولنَسي تلك الحادثة المُرَّة ، ولكنَّه كان مُصاباً في فكره بفساد الأخلاق ، فلم يلتئم جُرحه بسبب أنانيَّته وحِقده وحُبِّه للانتقام .
ولهذا ، وبعد مرور عِدَّة سنوات ووصوله إلى الوزارة ، ونيله فرصة للانتقام ، انتقم مِن ذلك الكلام الجارح ، وشفى غليله ، ولكنَّه في سبيل ذلك ارتكب عملاً وحشيَّاً بعيداً عن الإنسانيَّة ، فقتل رجلاً شَرَّ قتلة بسبب ما تفوَّه به[1] .