أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد ، قال : حدَّثني جَدَّي ، قال : حدَّثني محمد بن جعفر وغيره ، قالوا : وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل مِن أهل بيته ، فأسمعه وشتمه ، فلم يُكلِّمه . فلمَّا انصرف قال لجُلسائه : (قد سمعتم ما قال الرجل ، وأنا أُحبُّ أنْ تبلغوا معي إليه حتَّى تسمعوا مِنِّي رَدِّي عليه) .
قال : فقالوا له : نفعل ، وقد كنَّا نُحبُّ أنْ تقول له وتقول ، قال : فأخذ نعليه ومشى وهو يقول : (... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
فعلمنا أنَّه لا يقول له شيئاً .
قال : فخرج حتَّى أتى منزل الرجل ، فنادى عليه ، قال : (قولوا له : هذا علي بن الحسين) .
قال : فخرج إلينا مُتوثِّباً للشَّرِّ ، وهو لا يشكُّ أنَّه إنَّما جاء مُكافئاً له على ما كان منه : فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) :
(يا أخي ، إنَّك كنت وقفت عليَّ آنفاً وقلت ، فإنْ كنتَ قد قلتَ ما فيَّ ، فأنا أستغفر الله منه ، وإنْ كنتَ قلتَ ما ليس فيَّ ، غَفر الله لك) .
قال : فقبَّل الرجل ما بين عينيه وقال : بلى ، قلت ما ليس فيك ، وأنا أحقُّ به .
كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) قادراً على التحدُّث مع ذلك الرجل بخشونة ، وعلى معُاقبته بموجب الموازين الشرعيَّة ، ولكنَّه ـ فَضلاً عن كونه لم يشتدَّ في الكلام معه ولم يُعاقبه ، فإنَّه ـ واجهه بكلِّ نُبل وأدب ، وقابل عمله السيِّئ بالإحسان ، فناداه أوَّلاً بـ : (يا أخي) ، فأوجد بذلك جوَّاً مِن المَحبَّة والتفاهُم ، ومِن ثمَّ أشار إلى أقواله . وعلى الرغم مِن وضوح الحقيقة ، ومِن معرفة كليهما بمَن هو المُذنب ، فإنَّ الإمام السّجاد (عليه السلام) لم يتَّهمه بالذنب ، بلْ طلب مِن الله المغفرة للمُذنب الحقيقيِّ ، بادئاً بنفسه [1] .