وحينما علم والد الشابِّ ـ أيْ : التاجر المُفلس ـ بمقتل جاره قال لابنه : إنَّه لا أحد يعلم عن القطع الذهبيَّة المؤمَّنة لديه ، وأنا ـ أيْ الأبّ ـ الآن على ما تراني في أشدِّ الضيق ، وأطلب أنْ تُعطيني بعضها على أنْ أردَّها عليك متى صلح حالي وحَسنت عِيشتي .
فأجابه الشابُّ : يا أبتاه ، إنَّ الخيانة والانحراف هو الذي أدَّى بك إلى ما أنت عليه مِن الشقاء . فبالله ، لن أخون الأمانة لو قطعت إرباً إرباً ، ولا أُعيد خَطأك ثانية ؛ كي لا أشقى كما شقيت .
ومضت فترة ، ساءت فيها أحوال ذوي القائد القتيل ، فجاءوا إلى الشابِّ طالبين منه أنْ يكتب رسالة عنهم إلى عبد الملك بن مروان ؛ يُعلمه فيها بفقرهم وشِدَّة حالهم ، فلرُبَّما رثى لهم وأعانهم ببعض المال . فكتب لهم ما أمر به وسُلِّمت الرسالة ولكنْ دون جَدوى ، فقد أجاب عبد الملك أنْ أيَّ شخصٍ يُقتل يُحذف اسمه مِن ديوان بيت المال .
ولمَّا علم الشابُّ بالجواب واليأس الذي سيطر على ذوي القائد القتيل ، قال في نفسه : حانت الآن فرصة أداء الأمانة ، فلا بُدَّ مِن أنْ أضع القطع الذهبيَّة تحت تصرُّفهم لإنقاذهم مِن الفَقر والفاقة ، فدعا أُسرة القائد إلى منزله وقال لهم : إنَّ أباكم استودعني شيئاً مِن المال ، وأوصاني أني أُسلِّمه إيَّاكم عند الحاجة الماسَّة إليه بعد أنْ أقتطع عُشْرَه ، فطار أبناء القائد فَرحاً لدى سماعهم النبأ وقالوا : سنعطيك ضعف ما أوصى به أبونا .
جاء الشاب بالمال وسلَّمهم إيَّاه ، فأعادوا إليه ألفي دينار وأخذوا ثمانية آلاف ، ولم تمضِ أيَّام على هذه القضيَّة ، حتَّى استدعى عبد الملك أُسرة القائد القتيل إلى بلاطه ليُحقِّق حول الرسالة ، وسألم عن حالهم ، فأخبروه بما جرى لهم مع الشابِّ ، عندها استدعى عبد الملك الشابَّ فوراً ، وأثنى عليه لأمانته وصدقه وسَلَّمه مسؤوليَّة خزينة البلاد قائلاً له : إنِّني لا أعرف أحداً قد قام بأداء الأمانة كما أدَّيتها أنت [1] .