اسم الکتاب : الفن القصي في القرآن الكريم المؤلف : خَلَف الله، محمد الجزء : 1 صفحة : 98
(1) الأنبياء و البيئة
و لن نتناول هنا أشخاصهم و كيف صوّرها القرآن فذلك له موطنه من البحث في باب القيم الفنية و إنما سنحاول أن نتحدث عنهم كأشخاص لهم في أممهم أثر كما أن لهم بها صلة لنعرف أين يضعهم القرآن من البيئة أ كانوا أثرا من آثارها و نتاجا من معدنها و تربتها أم كانوا فريدين تقدّموا العصر و البيئة حتى لنحسبهم من عنصر خارج لم يرث عن الآباء و الأجداد و لم يتأثر بالبيئة فيأخذ عنها أي أثر.
و لنعرف أيضا كيف مضى معهم القرآن مصوّرا نفسيتهم حيال مبادئ الإصلاح و سلطانها عليهم و حيال شخصيات المؤيدين و المعارضين من أقوامهم و حيال العقبات التي صادفتهم و هل وقفوا عندها أو تخطّوها.
للأنبياء في القصص القرآني أقدارهم فهم الذين يجدّدون بناء المجتمع بما يبثّون من أفكار و يبذّرون من آراء و يوجدون من مبادئ و هم الذين يلائمون بين حاجات الأمم و مقتضيات الزمان فيطيلون أعمارها و يباعدون بينها و بين الضعف و الانحلال فَلَوْ لاََ كََانَ مِنَ اَلْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْفَسََادِ فِي اَلْأَرْضِ إِلاََّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنََا مِنْهُمْ وَ اِتَّبَعَ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا مََا أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كََانُوا مُجْرِمِينَ*`وَ مََا كََانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اَلْقُرىََ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهََا مُصْلِحُونَ[1] . قََالَ يََا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ*`أَنِ اُعْبُدُوا اَللََّهَ وَ اِتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ*`يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلىََ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اَللََّهِ إِذََا جََاءَ لاََ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[2] .
و الأنبياء في القرآن هم الذين يهيّئون الأمم للتقدّم و يجعلونها قادرة على التخلّص من آثار الماضي و هم حين يندرون تفقد الأمة هذه القدرة فتنوء بها العادات و تثقلها التقاليد حتى لا تستطيع منهما تخلّصا أو لهما فكاكا فتقف حينئذ مكتوفة الأيدي و تعجز عن التقدّم في مضمار الحياة لِتُنْذِرَ قَوْماً مََا أُنْذِرَ آبََاؤُهُمْ فَهُمْ غََافِلُونَ[3] .