و هذا العقل الأول عبارة عن مرتبة العقل المحمدي صلّى اللّه عليه و آله، و لهذه الجهة قال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ أول ما خلق اللّه نوري، فلا تنافي بين هذين الحديثين، و هذا العقل الأول هو الذي يعبّر عنه في لسان الشرع المقدس بالعبارات المختلفة، فهو العقل الأول، و الحقيقة المحمدية، و نور محمد و آله، و رحمته التي وسعت كل شيء ، و أمثال ذلك، و هذا العقل و إن كان واحدا و لم يصدر إلاّ عن الواحد لكن لما كان ممكنا و معلولا و حادثا و متعدد الجهات و الحيثيات اعتبر فيه ثلاث جهات:
الأولى: من حيث نسبته إلى علته يعني وجوبه الغيري.
و الثانية: من حيث ذاته و وجوده يعني وجوده الإمكاني.
و الثالثة: من حيث ماهيته و حقيقته يعني ماهيته الإمكانية.
فتحصل فيه ثلاثة معان و جهات: وجوب، و وجود، و ماهية، و بعبارة أخرى: نور، و ظلّ، و ظلمة.
فمن حيث تعقّله أو تعلقه بمبدئه صدر منه العقل الثاني، و نال فيض الوجود، و من حيث تعقّله لوجود ذاته خلق نفس الفلك الأعلى، و من حيث تعقله لماهيته و حدّه و إمكانه-و هذه الثلاثة عبارة عن معنى واحد-خلق جسم الفلك الأعلى.
و هكذا الكلام في العقل الثاني، و تلك الجهات و الحيثيات الثلاثة فيه أيضا موجودة، فمن الجهة الأولى صدر العقل الثالث، و من الثانية خلقت النفس
قيمين العرش من نوره، فقال له: أدبر فأدبر، ثمّ قال له: أقبل فأقبل، إلى آخر الحديث الشريف.
أنظر كتاب العقل و الجهل من الجامع الكبير «الكافي» ، و هو الحديث الثالث عشر منه، و تأمّل فيه.