في بلاد الشام، و ذلك في السنة التي عزمنا فيها على سفر الحج و التشرّف لزيارة بيت اللّه الحرام زاده اللّه تعالى شرفا، سنة 1330 هـ، أي قبل أربعين سنة، و اتفق ملاقاتي فيها مع جمع من علماء أهل السنة، فجرى الكلام بيننا و بينهم و انجرّ الحديث-و الحديث ذو شجون-إلى المذاكرة في مسائل متفرقة.
و منها أنهم قالوا: إنّ للإمامية فتاوى عجيبة في الأحكام الشرعية، بحيث تنافي ضرورة العقل، مثل أنهم يرون وجوب الغسل على من مسّ ميتا آدميا، مع أنّ النوع الإنساني، و على الأخص المسلمين منهم، من أطهر الحيوانات و أشرف الموجودات، فكيف يوجب مس بدنه بعد الموت الغسل، مع أنهم يكتفون في مس ميتة الكلب و هو أنجس الحيوانات و أخس جميع الموجودات بغسل اليد فقط؟و هذا الأمر من الفساد بحيث لا يحتاج إلى بيان حتى صار سببا لطعن اليهود و النصارى في دين الإسلام.
و لم أكن قبل ذلك مسبوقا بهذا السؤال و الاعتراض حتى أكون مستحضرا للجواب، غير أنّ روحانية الشرع المقدس، و كون الحق يعلو و لا يعلى عليه، ألهماني بعد دقيقة من التأمّل أن قلت: إنّ ضرورة العقل تقضي بما قالته الإمامية في هذه المسألة، فتعجبوا من كلامي و استغربوا مقالي.
فقلت لهم: استمعوا حتى أكشف لكم الحقائق الراهنة ليتبين لكم اللبّ و المغزى في هذه المسألة، فقد اعترفتم أنّ النوع الإنساني إنما هو أشرف الموجودات و أكمل المخلوقات كما هو من الضروريات و البديهيات.
و سرّ ذلك على الإجمال هو أنّ الإنسان إنما هو في آخر قوس النزول و مبدأ قوس الصعود، بمعنى أن وجوده المفاض تنزل من المراتب الشامخة و العقول و النفوس الكاملة و الأملاك و الأفلاك العالية حتى ورد إلى مرتبة