بمرتبته العالية، و كل ما فيه من الحواس الظاهرة و الباطنة و القوى العاملة من الهاضمة و الماسكة و الدافعة و المصورة و المقدرة، إلى غير ذلك، كلها آلات للنفس، و أدوات تمدها و تستمدها و تتعاكس معها و تتعاون أخذا وردا، و سلبا و إيجابا، فكل الانفعالات النفسية تظهر فورها على البدن.
أ لا ترى حمرة الخجل، و صفرة الوجل، و ضربان العروق، و خفقان القلب عند الخوف، و ابتهاج البدن عند الفرح، و بالعكس، كل ما يصيب البدن من ضربة أو صدمة أو جرح تنفعل النفس به و تتألم؟
و كل هذا شاهد و دليل على وحدة النفس مع البدن، و أن البدن المادي و البدن الامتدادي المجرد عن المادة و الروح المجردة عنهما شيء واحد، و هذا البدن الامتدادي الأثيري هو همزة الوصل بين الروح المجردة عن المادة ذاتا، المتعلقة بها تصرفا، و بين البدن المادي ذاتا و الذي هو آلة الروح تعلقا و تصرفا، و هو الذي تجد الإشارة عنه حينا، و التصريح به حينا آخر في كلمات أكابر الفلاسفة الأقدمين و الحكماء الشامخين، و العرفاء السالكين، مثل قول أرسطو فيما نقل عنه: أنه ربما خلوت بنفسي، و خلعت بدني، و صرت كأني جوهر مجرد بلا بدن، فأكون داخلا في ذاتي، خارجا عن جميع الأشياء، فأرى في ذاتي من الحسن و البهاء ما أبقى له متعجبا مبهوتا، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الأعلى الشريف.