العبد الذي تزول ماليته بعتقه و تحريره، و كذلك المعابد و المشاهد و المشاعر، و بعد ارتفاع المالية عنها لا يعقل تحقق الغصب فيها، كما لا يعقل تعلق السلطنة لأحد بها، فلو دفع إنسان آخر كان قد سبق إلى مكان فيها لم يغصب منه مالا، و لا دفعه عن حق مالي له في المسجد أو المشهد، نعم فعل حراما، و لكن لو صلى الدافع في مكان المدفوع له لم تبطل صلاته؛ لأنهما سواء من حيث الاستحقاق و جواز الانتفاع.
و أما الأسواق و الشوارع فهي و إن لم تزل عن المالية بالكلية كما في المساجد، و لكنها ما دامت متصفة بذلك العنوان الخاص-أعني عنوان المرور و السوقية-فليس لأحد سلطنة خاصة به دون غيره على شيء منها، بل الجميع فيها شرع سواء، يجوز لكل واحد منهم الانتفاع بها على النحو الخاص، و لا يجوز للاحق مزاحمة السابق، و لكن لو زاحمه لم يكن أخذ منه حقا ماليا يجب ضمانه و دفع بدله، بل يكون فعل حراما، و خالف تكليفا شرعيا.
و الحاصل: أنه لم يغتصب منه عينا أو منفعة مملوكتين، أو عينا ذات حق مالي كحق الرهن و الحجر و نحوهما.
و أما الأعيان الموقوفة فهي على قسمين:
موقوفات عامة ليس الغرض منها سوى إباحة نفس الانتفاع، و حبس العين، و وقوفها عن الانتقال، و سائر التصرفات، و لا ملكية هنا، و لا مالية أصلا.
و موقوفات خاصة، الغرض منها تمليك المنفعة و حبس العين، فالمنافع هنا باقية ملحوظة للواقف كما هي باقية في نظر العرف و الشرع، بخلافها في القسم الأول، فإنها قد ألغيت في نظر الواقف، فلا العين و لا المنافع مملوكة، و إنما أباح المالك الانتفاع فقط، كما في المدارس العلمية و الخانات في طرق