اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 122
و أخذ الناصر فى ظلم الرعية و أخذ أموالهم، و الانهماك فى اللعب، و استدعى عمه الملك الأشرف شاه أرمن موسى، فقدم عليه من الشرق و حكّمه فى المملكة، فآل الأمر أن حاصر الملك الكامل دمشق حتى أخذ الناصر، و عوضه عن دمشق بالكرك و الشوبك و الصلت و البلقاء و الأغوار جميعها، و نابلس و أعمال القدس و بيت جبريل، و كانت هذه الأعمال يومئذ عامرة جليلة القدر، ثم نزل الناصر عن الشوبك لعمه الكامل، و تسلم الكامل دمشق أول شعبان سنة ست و عشرين.
فأقام الناصر بالكرك، و كانت له قصص و أنباء، ذكرتها فى «التاريخ الكبير المقفى»، آلت به أن تشتت فى البلاد، و موته فى إحدى قرى دمشق يوم السادس و العشرين من جمادى الأولى سنة ست و خمسين و ستمائة، فدفن بصالحية دمشق.
و حجّ فى سنة ثلاث و خمسين و ستمائة، و سبب حجه أنه لما تنكّر له الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل [1]، بعث إليه الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه على العساكر، فهزمه و أوقع الحوطة على بلاده، و نازل الكرك حتى طلب منه الأمان فرحل عنه و قد ضاقت الأمور بالناصر، فخرج إلى حلب و معه جواهر جليلة قيمتها ما ينيف على مائة ألف دينار، فبعثها إلى الخليفة المستعصم باللّه ببغداد، لتكون عنده وديعة، فقبضت من رسوله، و كتب الخط الشريف بقبضها، فشقّ ذلك على أولاده، و خرجوا عن طاعته، و لحق بعضهم بالملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر، و سلمه الكرك.
فجرت أمور آلت بالناصر إلى مسيره إلى بغداد لطلب وديعته، فمنعه الخليفة من الدخول إليها، و مطله بالجوهر، لما أيس من ذلك سار إلى مكة من طريق العراق، و حجّ، فلما قدم المدينة النبوية تعلق بأستار الحجرة بحضرة الناس، و قال: «اشهدوا أن هذا مقامى من رسول اللّه- (صلى اللّه عليه و سلم)- داخلا عليه، مستشفعا به إلى ابن عمه المستعصم فى أن يرد علىّ وديعتى، فأعظم الناس ذلك، و جرت عبراتهم، و ارتفع ضجيجهم بالبكاء، و كتب بصورة ما جرى مكتوب فى يوم السبت ثامن عشر من ذى الحجة، و تسلمه أمير حاج العراق، و مضى الناصر معه إلى بغداد، فعوّض عن الجوهر بشىء تافه، و عاد إلى الشام مقهورا.
***
[1] انظر: (خطط المقريزى 2/ 236، ابن إياس 1/ 96، السلوك 1/ 296. 342، تاريخ الإسحاقى 189).
اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 122