و بالجملة: لا أظن أحدا- بعد المراجعة إلى كتب الفقهاء و ملاحظة فتاواهم و طريقة استدلالهم- يدّعي أنّ العمل بالبراءة لم يكن ممّا جرت عليه طريقة السلف و الخلف، و انّما أنكر ذلك بعض الأخباريّين.
الثاني: الشهرة المحقّقة- بعد كونها منضمّة إلى الإجماعات- إذ بعد انضمامها يحصل القطع كثيرا باتّفاق الطائفة، و يمكن استظهار دعوى الإجماع من عبارة الصدوق السابقة [1] و عن أوّل السرائر:- بعد ذكر الكتاب، و السنّة، و الإجماع-: إذا فقدت هذه الثلاثة، فالمعتمد في المسألة الشرعية عند المحقّقين الباحثين عن مئاخذ الشريعة: التمسّك بدليل العقل [2]. و عن المحقّق في باب الاستصحاب من المعارج:
دعوى إطباق العلماء على ذلك [3]. و عنه أيضا- في توجيه نسبة السيّد- (رحمه اللّه)- إلى هذه مذهبنا جواز إزالة النجاسة بالمضاف مع عدم ورود نصّ فيه-: أنّ من أصلنا:
العمل بالأصل حتى يثبت الناقل و لم يثبت المنع عن إزالة النجاسة بالمضاف [4].
و الظاهر أنّ مراده من الأصل- لمقابلة الناقل- أصالة البراءة، لأنّه الأصل الذي يسمّى الدليل بموافقته له مقرّرا، و بمخالفته ناقلا، و لو لا أنّ هذا الأصل إجماعي، لم يحسن جعل ذلك وجها لدعوى اتّفاق السيّد، و أمّا الشهرة: فيكفي في تحقّقها، فتوى من عرفت من الأساطين.
الثالث: الإجماع العملي
الكاشف عن رضا المعصوم (عليه السّلام)، فإنّ سيرة المسلمين من أوّل الشريعة: على عدم الإلزام بترك ما يحتمل ورود النهي عنه بخصوصه، بعد الفحص و التتبّع التام، و طريقة الشارع كان إبلاغ المحرّمات، و لو لا أنّ الإباحة يكفي فيها عدم النهي، كان الواجب تعداد المباحات دون المحرّمات.
و أمّا العقل:
فبيانه أنّ ممّا يستقلّ به، هو قبح التكليف بدون بيانه، فإنّ صحّة
[1] اعتقادات الصدوق (ضمن شرح باب الحادي عشر): ص 107.