و قد عرفت أنّ موضوع الحكم الظاهري فعل المكلّف من حيث كونه جاهلا بالحكم الواقعي. و بعبارة أخرى فعل الجاهل بالحكم الواقعي ما دام جاهلا، و المصلحة المقتضية لإنشاء الحكم الظاهري إنّما يقتضي إنشاء الحكم في حقّ هذا الجاهل ما دام كونه جاهلا، و لا مانع من وجود هذه المصلحة ضرورة إمكان أن يحدث في الفعل مصلحة توجب بعث الجاهل بالحكم الواقعي- من حيث هو جاهل- على خلاف البعث الأوّل، لا بمعنى أن يحدث فيه تلك المصلحة مطلقا، و يكون اقتضاؤها حال الجهل. بل بمعنى أن يكون في فعل الجاهل- من حيث هو جاهل- جهة توجب بعثه حال جهله على خلاف البعث الأوّل، بحيث لو فرض محالا أنّ الشارع لم ينشئ الحكم الواقعي الذي اقتضى إنشاؤه المصلحة التي في ذات الفعل، لا تحدث تلك المصلحة في الفعل، لعدم تحقّق موضوعها و هو فعل الجاهل بالحكم الواقعي. و لا ريب أنّ وجود هذه المصلحة متأخّرة مرتبة عن المصلحة المتحقّقة في الفعل، و اقتضاؤها إنشاء الحكم و فعلية ذلك الاقتضاء، إذ المفروض أنّ تلك المصلحة إنّما تحدث في فعل الجاهل بالحكم الواقعي- من حيث هو كذلك- فلا يمنع عن اقتضاء المصلحة الواقعية و ترتّب مقتضاها عليه، و المصلحة الواقعية لا تمنع حال جهل المكلّف عن بعثه على خلاف مقتضاها، لأنّ مقتضاها- و هو البعث على الفعل- حاصل، و المكلّف حال الجهل لا يمكن أن يعمل على طبق ذلك الجعل، بل تلك المصلحة لا تقتضي في حال الجهل لبعثه على الفعل و إرادته منه فعلا، لأنّه مانع منه عقلا فلا يمنع عن اقتضاء المصلحة الطارئة البعث على ما ينافي البعث الأوّل.
و لا يختصّ ما ذكرنا بالأحكام الظاهرية المجعولة للجاهل بالحكم الواقعي الذي لا يتمكّن من العلم بحكم الواقعة، كما أنّ الكلام ليس في الطرق العقلية التي حكم بطريقيتها العقل حال انسداد باب العلم بالأحكام و الظنون الخاصة، فإنّها ليست من المجعولات الشرعية بل الشرع في هذه الحال يمضي حكم العقل، لكون المكلّف معذورا فالكلام في الطرق الجعلية حال الانفتاح، مثل أن يكون في بناء الجاهل