اسم الکتاب : الأصول في علم الأصول المؤلف : الإيرواني، الشيخ علي الجزء : 1 صفحة : 59
فإن أريد من التوصّليّة ما يعمّ هذا لم تكن مضايقة من تسليمه و اعترفنا بوجودها في الشرعيّات لكن لا يوجب هذا صحّة تقسيم الواجب إلى قسمين، بل الواجب ليس إلّا القسم التعبّدي و ما عداه غير واجب و مسقط للواجب.
و الذي أنكرناه هو كون التوصّلي من أقسام الواجب بحيث يقع الفعل الخالي عن قصد التقرّب بصفة الوجوب، و في هذا ليس كذلك، كيف و إلّا لزم أن يقع الفعل الخارج عن الاختيار- بل فعل غير ذي الشعور- بصفة الوجوب بمجرّد أنّه كان مسقطا للواجب!
ثمّ إنّا علمنا ممّا ذكرناه- من قصر المطلوب و متعلّق الإرادة ما هو نتيجة ما اصطنعه المولى من المقدّمات في الوصول إلى مقصده- أنّ مطلوب الشارع في تكاليفه نتيجة إحدى مقدّمات ثلاث دون خصوص نتيجة الطلب؛ لما رأينا أنّه لم يقتصر على مجرّد التكليف، بل ملأ كتابه العزيز من الوعد بالأجر على العمل و الوعيد بالجزاء على المخالفة.
فعلمنا أنّ الفعل الحاصل بداعي كلّ من التكليف و الأجر و الأمن من العقاب مطلوب الشارع، و كان كلّ منها في عرض الآخر عبادة له- و إن تدرّج في الفضل- إذ ليست العبادة هي خصوص ما كان بداعي الطلب ليحكم بفساد ما كان بأحد الداعيين الآخرين ما لم يكن من قبيل الداعي على الداعي؛ فإنّ الإطاعة من الطوع و هو انفعال من غيره، فلو قلت:
أعطيك كذا إن فعلت [كذا] ففعل طلبا للجزاء فقد أطاعك، مقابل من لم يتأثّر من هذا القول.
و كذا إذا قلت: أضربك إن فعلت، فترك خوفا من العقاب. و كذا العبادة هي الخضوع لناموس المولى و الاتّباع لقانونه و لو كان داعيه تحصيل أجره الموعود أو الأمن من عقابه.
و كفاك شاهدا على هذا وعد المولى و وعيده، فلولا صحّة العمل بداعيهما كان جعلهما إغراء قبيحا بعد كما تقدّم و سيجيء من بطلان الداعي على الداعي.
و إلى العبادات الثلاث أشار (عليه السلام) بقوله: «العبادة ثلاثة: قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ و جلّ حبّا له فتلك عبادة الأحرار، و هي أفضل العبادة» [1].
و من هنا تتوسّع عليك الحال في العبادات المترتّبة عليها بعض الخواصّ الدنيويّة من
[1]. وسائل الشيعة 1: 62 أبواب مقدّمة العبادات، ب 9، ح 1.
اسم الکتاب : الأصول في علم الأصول المؤلف : الإيرواني، الشيخ علي الجزء : 1 صفحة : 59