و قد يكون بلسان الأمر و الطلب الإلزامي، فحينئذ؛ لمّا يتوهّم أن لا يعقل الطلب عن الغافل و الإلزام بالناسي فيختصّ القيد الثابت بمثل هذا الدليل بالمتذكّر.
فيجاب عنه بأنّ الإلزام لمّا كان مستفادا من الهيئة، فالهيئة تسقط عن الدلالة و الاعتبار بالنسبة إلى الغافل، و أمّا إطلاق المادّة الكاشفة عن مدخليّة الجزء في المصلحة مطلقا على حالها باق، و هو لا يتقيّد بهذا المقيّد العقلي، فببركة إطلاقها تثبت الجزئيّة المطلقة و إن لم يكن الناسي ملزما بإتيانه حال النسيان و لكن إطلاق المادّة لمّا دلّ على عدم تحقّق المركّب الّذي أتى به الناسي فبعد تذكّره لا بدّ أن يأتي به تامّا بمقتضى الأمر الأوّل.
و فيه؛ أنّ الهيئة الكاشفة عن الطلب و الدالّة على الإرادة، مساوية سعة و ضيقا مع المصلحة الكامنة في الفعل الموجبة لانبعاثها، و لا يعقل أن تكون للمادّة الكاشفة عن الغرض إطلاق أزيد [1] ممّا في ناحية الطلب؛ لكونه معلولا للغرض، فكذلك الهيئة تصير في الرتبة متأخّرة عن المادة و تبعا لها سعة و ضيقا، فلا يجوز أن يتحقّق الغرض في مورد المستتبع لوجود إطلاق للمادّة بالنسبة إليه، و لم يتحقّق فيه الطلب، فالتفكيك بين إطلاق المادّة و الهيئة مستحيل.
فحينئذ لو بني على كون حكم العقل هذا بعدم جواز تعلّق الطلب بالغافل من قبيل القرائن المتّصلة بالكلام؛ لعدم وجود واسطة بين الأمر و الطلب و الانتقال إلى اختصاصه بالذاكر بحيث ذلك من القرائن الحاليّة اللاحقة باللفظ، فيوجب كسر صولة ظهور الأمر رأسا، فلا يبقى له ظهور أصلا لا من حيث المادّة و لا الهيئة حتّى
[1] لانحصار طريق استكشاف الغرض بالأمر، فلو لم يبق له ظهور و لا حجيّة، فكيف يمكن استكشاف الغرض من المادّة؟ فتأمّل! «منه (رحمه اللّه)».