تكونان طوليّتين، فكيف يعقل أن يتّحد متعلّقهما؟ بل كلّ إرادة و مراد يكون كذلك بمعنى، فإنّ ما يتعلّق بالإرادة أوّلا ليس إلّا الصور الذهنيّة الحاكية عن الخارج، و هي الوجودات السرابيّة و ليس لها ما بإزاء في الخارج- أي لهذه الإرادة- بل ما يكون لها ما بإزاء إنّما هي الإرادة المتعلّقة بالعمل الّذي هو ظرف السقوط و موطن تحقّق المراد، و إن كنت منكرا فارجع إلى وجدانك! فإنّك إذا حلّلت مرادك في مثل إرادة شرب الماء تقول: قطعت بالماء فشربت.
فلا خفاء، أنّ فيه- كما في كلّ ما تعلّقت به الإرادة تكوينا أو تشريعا- تكون صورتان: إحداهما الصورة الّتي يتعقّلها أوّلا و يرى فيها المصلحة أو المفسدة الّتي هي تصير علّة لإرادة العمل، و هذه الصورة إنّما هي تكون تحت الحكم و متعلّقة للطلب و حبّ المولى و بغضه، و الثانية هي الّتي توجد بعد إرادة العمل و تتوجّه النفس إليها، و هذه رتبتها تكون بعد الحكم؛ لأنّه بعد تصوّر الشيء الخارجي و تروّي النفس المصلحة و المفسدة الّتي تكون فيه، فتتوجّه النفس بحكم الشارع على هذا الموضوع، ثمّ يريد المكلّف موافقته أو مخالفته.
ففي المقام لمّا يريد مخالفته فلمّا تتوجه النفس إلى الصورة الثانية و تريد إيجادها، فتصف الصورة بعنوان الهتك و الطغيان، فيتحقّق فيها ملاك النهي و المبغوضيّة فيتّصف بالحرمة العقليّة، و ينطبق عليه عنوان التجرّي و إن لم تكن هذه الصورة بخصوصها متوجّهة إليها، بل التوجّه إليها إنّما هو مرآتيّ محض، و لكن بعد تأخّر رتبتها ذاتا عن الصورة الاولى و اتّصافها بعنوان آخر غير العنوان الأوّلي لنفس الذّات، فالتباين بين الصورتين وجودا، الّذي هو يكفي في صحّة عروض الحكمين المختلفين على ذات واحدة، فلا يحتاج إلى كونها متوجّها إليها