بهذا المعنى و إن أمكن تصوير الأمر الإرشادي، كأوامر الطبيب، بأن يكون ملاك الأمر حفظ مصلحة الواقع، و يكون الحسن و القبح تابعين للإصابة و عدمها، و أمّا حسن نفس العمل من حيث هو بمناط الانقياد، ففيه لا يتصوّر.
و أمّا على توقّف الاحتياط العبادي على الأمر الجزمي؛ أعمّ من أنّ المتعلّق بالشيء بعنوانه الأوّلي و الثانوي، فحينئذ يكون الأمر بالاحتياط مولويّا و يصير من قبيل الداعي على الداعي؛ إذ المفروض أنّ الاحتياط عبارة عن الإتيان بداعي الاحتمال.
و بعبارة اخرى؛ متعلّق الأمر هو الذات الثاني، و لكن لمّا كان العمل عباديّا و لا يكفي فيه الدعوة الاحتماليّة، بل يحتاج تصحيحها إلى الأمر الجزمي، و ليس الأمر الأوّل المحتمل داعيا على إتيانها، بل لو أتى به بذاك الداعي يكون العمل لغوا، فيحتاج إلى ما يدعو جزما إليه ليس إلّا الأمر الاحتياطي، فهو يصير داعيا للإتيان بداعي المحبوبيّة، فحينئذ يكون المؤثّر حقيقة هو الأمر الثاني المتيقّن جزما بعنوان الاحتياط، لو قلنا بأنّ القرب لا يحصل بالاحتمال أو التزمنا باختلاف مراتب القرب على حسب اختلاف الدواعي الاحتماليّة و الجزميّة، و أمّا الصورة الثالثة فيظهر حالها ممّا ذكرنا من الشقّ الأوّل و من معنى الاحتياط.
هذا كلّه في مقام التصوّر، و أمّا الكلام في مقام التصديق فنقول: أنّه قد سبق أنّ الأقوى في معنى الاحتياط كونه عبارة عن إتيان العمل بداعي احتمال المحبوبيّة، و أمّا مسألة احتياج قصد القربة إلى الأمر الجزمي، و عدم حصول القرب إلّا به و عدمه، بل يكفي فيه احتمال الأمر عند إرادة الاحتياط، فالتحقيق فيه هو الاكتفاء بمطلق الداعي، و لو كان احتماليّا، و الأصل في ذلك هو أنّه لمّا بنينا