بل يحتاج بعده إلى أمر آخر، مثل حسن إطاعة المولى و قبح مخالفته، فما لم يحصل و لم يدرك ذلك لا يترتّب الأثر.
ففي الأوّل الأثر يترتّب و لو مع عدم إدراك الحسن و القبح، فيترتّب و لو على مذهب الأشعري، بخلاف الثاني؛ ضرورة أنّه ما لم تكن الأحكام مترتّبة عليها و ما لم يلتزم بالتقبيح و التّحسين فلا يترتّب الأثر.
فالمراد من الوجوب في الأوّل إنّما [هو] اللّزوم، و بالثاني إنّما هو الحسن، و لكن لمّا كان الكلام في الأحكام الشرعيّة لا الامور التكوينيّة، فيكون المراد بالوجوب هو الحسن.
فانقدح بذلك أنّ القطع طريقيّته ذاتيّة، و ليس قابلا للجعل، بل يد الجعل بالنسبة إليه قصيرة، فإنّه إذا علم مثلا بحرمة الخمر الثابتة لها واقعا، فيترتّب عليه آثاره، فلو قال الشارع بعد ذلك أيضا: إذا علمت بحرمة الخمر فهي حرام، فيلزم إمّا ثبوت وجوبين لها، و هو خلاف الإجماع، بل الضرورة، و إمّا تقدّم الشيء على نفسه لو ثبت لها وجوب واحد.
فمن ذلك تعلم أنّ القطع إنّما هو من الصفات العارضة للنفس المتعلّقة باتّصاف موضوع بمحمول، و ثبوت شيء لشيء آخر، حكما كان أم وصفا خارجيّا، فهو- و كذا أخواه- يكون من صفات النسبة المعبّر عنه بإذعان النسبة الّذي هو ذو مراتب، أوّلها القطع، ثمّ الظنّ بمراتبه، حتّى يصل إلى الوهم.
فهذه الدرجات كلّها من أحوال النسبة، و لا ربط لها بما تعلّقت به من الموضوع و المحمول، و هما لا يتغيّران عمّا عليه من الإطلاق بالنسبة إلى هذه الدرجات من الإدراكات، ففي الحقيقة القطع و الظنّ و سائر المراتب تكون من