ثمّ لا يخفى أنّه بناء على هذا التقسيم لا يرد عليه (قدّس سرّه) ما أوردوا من التّداخلات الثلاثة.
نعم؛ لمّا التزم (قدّس سرّه) في دوران الأمر بين المحذورين بالبراءة [1]- مع أنّه قام البيان على التكليف عنده [2]- يلزم عدم طارديّة البراءة لدخول أقسام التخيير فيها، و عدم جامعيّة التخيير.
لكنّ هذا الكلام من أصله فاسد، لأنّه عند دوران الأمر بين المحذورين العلم الإجمالي بالتكليف ثابت، نظير ما لو علم التكليف إجمالا و لم يكن المكلّف به دائرا بين المحذورين، فمع قطع النظر عن ترخيص العقل، التكليف بالواقع بسبب أحد الخطابين ثابت، و أثره العقاب في صورة المخالفة، و لا ربط له بمقام العمل، فإذا ثبت التكليف فالعقل يحكم بامتثاله، و لكنّ في مقام العمل لمّا لم يمكن الامتثال القطعي؛ لعدم القدرة على الإتيان بالطرفين، فيحكم العقل بالترخيص و اختيار أحد الطرفين المحتملين من جهة أنّ الضرورة تقدّر بقدرها، فيثبت من ترخيص العقل بذلك عدم البيان.
و لكنّ هذا اللّابيان المعلول من ترخيص العقل لا يمكن أن يصير منشأ للبراءة؛ لأن البراءة رتبتها متأخّرة عن اللّابيان، بحكم العقل، و إلّا يلزم تقدّم البراءة على حكم العقل برتبتين، لأنّه لا يكون للعقل في مورد واحد إلّا ترخيص واحد، و المفروض أنّه تحقّق بالنسبة إلى أحد الطرفين المحتملين، فكيف يمكن أن يحكم في هذا المورد أيضا بالنسبة إلى كليهما؟ فيلزم أن يكون للعقل