كثرة الممارسة، و تصير تلك منشأ لبصيرته في المخبريّة، بحيث تكون هذه الامور بيده لا بيد غيره.
فإذا صار منشأ الاطّلاع ذلك فهو يكون من أهل الخبرة، و يجري فيه ما ادّعوا من ارتكاز العقلاء [أنّهم يراجعون] في حلّ مشكلات كلّ أمر إلى أهله، كما لا يبعد أن يكون مناط حجيّة قول المجتهد للمقلّد أيضا ذلك.
و أمّا لو لم يكن إخباره و اطّلاعه مبنيّا على ذلك، بل كان أساسه الاطّلاع على القيمة السوقيّة اليوميّة، فهذا يدخل في باب الشهادة، و لا دليل على حجيّة خبره بلا كونه جامعا لشرائط الشهادة.
فكذلك يجري هذا في ما نحن فيه، و الظاهر أنّ قول اللغوي إنّما هو يكون من قبيل القسم الثاني، ضرورة أنّه يخبر عن معنى اللفظ، لاستماعه عن الأعراب- مثلا- أو من تبادر المعنى من استعمالاتهم الّذي يكون هو أيضا من المقدّمات القريبة بالحسّ، و إن لم يكن بنفسه محسوسا، فيكون كلا القسمين داخلا في ما هو المناط في الشهادة، و هو الإخبار عن الامور الحسيّة بلا أن يكون منشأ إخباره الامور الخفيّة المجهولة لغيره الّذي لو تعرّض نفسه لذلك لم يحصل له.
و بالجملة؛ فمرجع هذا الأمر إلى منع الصغرى، فتأمّل [1]!
الأمر الثاني: الّذي هو في الحقيقة مؤيّد لهذا البعض الّذي ذهب إلى حجيّة قول اللغوي، و هو أنّ الظاهر استقرار بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد مطلقا
[1] لا يخفى أنّ خبرويّة كلّ شيء بحسبه، و لا شبهة في أنّ علم اللغة مضافا إلى الاستماع يحتاج إلى امور أخر خفيّة على غير أهلها و إن كان بعضها قريبا بالحسّ، و لا يخرجه ذلك عن كون أصل الحسّ مستندا إلى الحدس، كما في المقوّم فلا بدّ تنتهي ممارسته إلى الحسّ؛ «منه (رحمه اللّه)».