و قد لا يكون في مقام ذلك، بل ينشئ حكما وضعيّا بلا نظر إلى العلم و تنزيل المكلّف نفسه منزلة العالم، و إن كان بعد جعله قهرا يترتّب ذلك.
و بالجملة؛ فعلى هذا المسلك أيضا ترتفع الشبهة، لأنّ المكلّف عند قيام الأمارة يرى نفسه عالما تنزيلا، فيجب عليه بحكم عقله متابعة علمه و عدم الاعتناء بالمخالفة، و الترخيص المحتمل وجدانا، فشكّه الّذي لو لا هذه الأمارة كان عقله يحكم بالبراءة، لكونه موضوعا لعدم البيان، الآن انقلب، و صارت الأمارة بيانا له، فكما أنّه عند الانفتاح صرف الشكّ يكفي في تنجّز الواقع، كذلك في ظرف نصب الطريق على النحو المذكور.
و أنت خبير بأنّ هذا الجواب كسابقه يصير جوابا عن ابن قبة، لو لم يكن مراده نقض الغرض و التفويت و إلّا فلا يرتفع إشكاله أيضا، كما عرفت [1].
ثمّ إنّه قد اتّضح ممّا ذكرنا أنّ الإشكال و الشبهة ممحّضة على جواب الشيخ (قدّس سرّه) عن إشكال ابن قبة.
بيان ذلك: أنّ شيخنا (قدّس سرّه) التزم للجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري بالمصلحة في الأمر [2]، و الفرق بين هذا و ما سبق أنّ جعل الأمارة على ذلك إنّ ما يكون بداعي الحكم و الإرادة الحقيقيّة فيكون مفادها جعل الحكم التكليفي، و لازمه ترتّب الآثار عليها أعمّ من أن تكون موافقة أو مخالفة، ففي الأوّل الداعي يكون الإيجاب أو التحريم بالنسبة إلى متعلّق الأمر.
[1] إلّا أنّه مع الالتزام بأنّ جعل الطريق كيفما كان لا بدّ و أن يكون عن مصلحة، فلا محيص [من] أن يكون بحيث لو فاتت به مصلحة الواقع يتداركه، و لا يخفى أنّ هذا النحو من التفويت ليس قبيحا و كذلك ليس نقضا للغرض، فتأمّل! «منه (رحمه اللّه)».