اسم الکتاب : كتاب السياسة المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 8
في عشرتهم بتركهم صدقهم عن انفسهم و تنبيههم عن عوراتهم لم يغشّوهم
بالثناء الكاذب و لم يغروهم بالتقريظ الباطل و لم يستدرجوهم باستصابة خطئهم لكانوا
اخفّ ذنوبا و ان كانوا غير خارجين عن لؤم العشرة و دناءة الصحبة. و لعلّ احدهم اذا
تنوّع في إقامة عذره و تنطّع [1] في تخفيف جرمه قال: «انما ندع نصحهم في انفسهم و صرفهم عن احوالهم
إشفاقا من حميّتهم و حذرا من أنفتهم و خوفا من استثقالهم النصيحة فان للنصح لذعا
كلذع النار و حرّا كحرّ السنان. فنحن نخاف ان فعلنا ذلك بهم ان لا نربح الّا
استيحاشهم لنا و نفارهم منّا و ازورارهم عنّا و عن عشرتنا فلأن نظفر بهم مع زللهم
خير لنا و لهم من ان نحرّق عليهم فلا هم يبقون لنا و لا نحن نبقى لهم». هذا اذا
كان الصاحب رفيقا متثبتا. فامّا اذا كان اخرق متهورا فانه يقول: «لا نأمن من سقوط
منزلتنا و انقطاع خلطتنا مع سورة غضبه و بادرة سطوته». فيقال له: «انك اذا بنيت
امرك في صحبة من تصحب على الدين و المروءة لم يلزمك ان تراعي غيرهما فيما تأتي و
تذر و اذا اقتديت بهما و عشوت الى نورهما لم تضلّ في طريق صحبة من صحبت» و قد قضيت
فيك بان صاحبك احد رجلين امّا حازم رفيق متثبت و اما أخرق متهوّر فالرفيق المتثبت
لأحوز عليه فضل ما يسديه نصحك و ان هو ارتاع و وجم و حمى انفه و ثنى عطفه في اول
ما يرد عليه منك. فاذا تثبّت و فكّر و قدّر عرف الخير الذي قصدته و الصلاح الذي
اممته فرجع اليك احسن الرجوع. و اما الاخرق المتهوّر فانت غير آمن من خرقه في ايّ
حال شايعته او خالفته. و ليس من الرأي لك ان تصحب من هذه صفته فتحتاج الى هدايته و
اعلم انه ليس لك و ان كان طريق ارشاد العاقل عن رعنه
[2] ان تركبه هائما و تسلكه خابطا و لكن ينبغي لك ان تمسّ العاقل
بالمشورة عليه مسّك الشوكة الشائكة بجسدك و القرحة الدامية من بدنك على ألين ما
تمسّ و أرفق القول و أخفض الصوت و في أخلى المواطن و استر الاحوال. و التعويض فيها
أبلغ من التصريح و ضرب الامثال احسن من التكشيف. فان رأيت صاحبك يشرئبّ لقولك اذا
بدر منك و يهشّ له و يصغي