اسم الکتاب : كتاب السياسة المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 7
الانسان له. و لمّا كانت معرفة الانسان نفسه غير موثوق بها لما في
طباع الانسان من الغباوة عن مساوئه و كثرة مسامحته نفسه عند محاسبتها و لأن عقله
غير سالم عن ممازجة الهوى اياه عند نظره في احوال نفسه كان غير مستغن في البحث عن
احواله و الفحص عن مساوئه و محاسنه عن معونة الاخ اللبيب الوادّ الذي يكون منه
بمنزلة المرآة فيريه حسن احواله حسنا و سيّئها سيئا و احق الناس بذلك و احوجهم
اليه الرؤساء فان هؤلاء لمّا خرجوا عن سلطان التثبّت
[1] و عن ملكة التصنّع تركوا الاكتراث للسقطات و تعقّب الهفوات بالندمات
فاستمرّت عادتهم على كثرة الاسترسال و قلّة الاحتشام الّا قليلا منهم برعت عقولهم
و رجحت احلامهم و نفذت في ضبط انفسهم بصائرهم فحسنت سيرتهم و استقامت طريقتهم. و
مما زاد في عظم بلائهم باكتتام عيوبهم عنهم أنهم هيّبوا عن التعبير بالمعايب
مواجهة و عن النقص و الذم مشافهة و خيفوا في اعلان الثلب و العضب و الشنع [2] و الجذب و الهمز و اللمز بظهر العيب.
فلمّا انقطع علم ذلك عنهم ظنوا ان المعايب تخطّتهم و المثالب جاوزتهم فلم تعرّج
بخططهم و لم تعرس بأفنيتهم و ليس كذلك حال من دونهم من الرعاع و السوقة فان احدهم
لو رام ان يخفي عنه عيوبه يبدهه محبّه بها و يتدارك عليه باقبحها ما استطاع ذلك.
فانه يخالط الناس و يلابسهم ضرورة و المخالطة تحدث المجادلة و المدافعة و ذلك من
اسباب المخاصمة و المخاصمة تؤدّي الى التعايب بالمثالب و الترامي بالعار و عند ذلك
يكاد كل واحد من الفريقين لا يرضى بذكر حقائق عيوب صاحبه بل يتهمه بالباطل و يفتعل
عليه الزور فهؤلاء قد كفوا استرشاد جلسائهم و بثّ الجواسيس في تعرّف عيوبهم من قبل
أعدائهم فانها قد جلبت اليهم من غير هذا الطريق. فاما من يسالم من السوقة الناس
فلا يساورهم [3] و يؤاتيهم و لا يلاحيهم فانه لا يعدم
من ينبّهه على عيبه و ينصحه في نفسه من حميم و قريب و خليط و جليس و أكيل و ممّا
زاد في فساد حال الملوك و الرؤساء ما أتيح لهم من قرناء السوء و قيّض لهم من جلساء
الشرّ الذين لو انهم لمّا خاسوا [4] بعهدهم و راغوا [5] في صحبتهم و غشّوهم (v 56(