اسم الکتاب : كتاب السياسة المؤلف : ابن سينا الجزء : 1 صفحة : 10
بالتجارات و الصناعات و كانت الصناعات أوثق و أبقى من التجارات لان
التجارة تكون بالمال و المال و شيك الفناء عتيد الآفات كثير الجوائح. و صناعات ذوي
المروءة ثلاثة انواع: نوع من حيز العقل و هو صحّة الرأي و صواب المشورة و حسن
التدبير و هو صناعة الوزراء و المدبرين و ارباب السياسة و الملوك. و نوع من حيز
الادب و هو الكتابة و البلاغة و علم النجوم و علم الطب و هو صناعة الادباء و نوع
من حيّز الأيد و الشجاعة و هو صناعة الفرسان و الأساورة. فمن رام احدى هذه
الصناعات فليفز بإحكامها و التقدم فيها حتى يكون من اصحابها موصوفا بالفصاحة غير
مرذول و لا مؤخّر و ليعلم انه ليس شيء ازين بالرجل من رزق واسع وافق منه
استحقاقا. ثم ليطلب معيشته بصناعة على أعف الوجوه و أرفقها و أعفاها و ابعدها من
الشره و الحرص و أنآها من الطمع الفاحش و المأكل الخبيث. و ليعلم ان كل فضل نيل
بالمغالبة و المكابرة و بالاستكراه و المجاهدة و كل ربح حيز بالاثم و العار و مع
سوء القالة و قبح الاحدوثة او ببذل الوجه و نزف الحياء او بثلم المروءة و تدنيس
العرض زهيد و ان عظم قدره نزر و ان غزرت مادّته و بيل و ان ظهرت هناءته و خيم و ان
كان في مرآة العين مريّا. و ان الصفو الذي لا كدر فيه و العفو الذي لا كدح معه و
ان قلّ مقداره و خفّ وزنه أطيب مذاقا و اسلس مساغا و أنمى بركة و ازكى ريعا فاذا
حاز الانسان ما اكتسبه فان من السيرة العادلة في ذلك ان يكون بعضه مصروفا في
الصدقات و الزكوات و أرباب المعروف و بعضه مستبقى مدّخرا لنوائب الدهر و احداث
الزمان. فأما الزكوات و الصدقات فينبغي ان يكون إخراجها بطيب النفس و حسن النيّة و
انشراح الصدر و الثقة بانها العدّة ليوم الفاقة و ان يوضع معظمها في اهل الخلّة [1] ممّن يساتر الناس بفقره و لا يهتك ستر
اللّه تعالى عن حاله و يتوخّى بباقيها (v 66( من تلحقه الرقّة
[2] ممن ظهرت عيلته و بدت مسكنته و ان يجعل ذلك خالصا لوجه اللّه ذي
الجلال و الاكرام فلا يستثمر له شكرا و لا يترصّد له جزاء و للمعروف شرائط احداها
تعجيله فان تعجيله أهنأ له. و الثانية كتمانه فان كتمانه أظهر له. و الثالثة
تصغيره فان تصغيره اكبر له. و الرابعة ربّه
[3] و مواصلته