كانت زكية و فارقت البدن و قد رسخ فيها نحو من الاعتقاد فى العاقبة
التى تكون لا مثالهم على مثل ما يمكن أن يخاطب به العامة و تصور فى أنفسهم عن ذلك،
فإنهم إذا فارقوا الأبدان و لم يكن لهم معنى جاذب إلى الجهة التى فوقهم، لا كمال
فيسعدوا تلك السعادة، و لا شوق كمال فيشقوا تلك الشقاوة، بل جميع هيئاتهم
النفسانية متوجهة نحو الأسفل منجذبة إلى الأجسام، و لا منع من المواد السماوية [1] عن أن تكون موضوعة لفعل نفس فيها،
قالوا فإنها تتخيل جميع ما كانت اعتقدته من الأحوال الأخروية، و تكون الآلة التى
يمكنها بها التخيل شيئا من الأجرام السماوية فتشاهد جميع ما قيل لها فى الدنيا من
أحوال القبر و البعث و الخيرات الأخروية، و تكون الأنفس الردية أيضا تشاهد العقاب
بحسب ذلك المصور لهم فى الدنيا و تقاسيه [2]، فإن الصور الخيالية ليست [3] تضعف عن الحسية بل تزداد عليها
- كونه طفلا رضيعا نحوا من التعلق، و في أوان كونه مراهقا نحوا آخر
و هكذا في طول أعوامه. و أيضا الإنسان المواجه للمرآة له نحو من التعلق بها و له
تعلّق آخر بأمواله و أحبابه و عشيرته، و كيف كان و لمّا لم يأت الفارابي بدليل
قاطع قال الشيخ: «يشبه أن يكون قوله حقّا» حيث إنّه فرض ممكن و لا حجة على ردّه
أيضا، إلّا أنّ صاحب الأسفار أورد في كلامه دغدغة و المتأله السبزواري استصوب فرض
الفارابي ببيان أنحاء التعلق. فراجع الأسفار، ج 9، ص 42، ط 2.
[1] - المواد السماوية كأنّها موجودات برزخية بين الموجودات
الطبيعية العنصرية و بين الموجودات النورية المجردة فتناسب تلك الأرواح في تعلقها
بها دون حاشيتيها فتبصر.
[2] - أي تقاسي الأنفس ذلك المصوّر لهم، مقاساة: رنج چيزى كشيدن.
[3] - قال صدر المتألهين في معاد شرح الهداية الأثيرية (ص 377):
«للشيخ الرئيس إشارة خفية في آخر إلهيات الشفاء إلى وجه صحة المعاد الجسماني
بقوله: «إن الصور الخيالية ليست تضعف ...».