الحيوانية و حصل لها ملكة استعلائية حدثت فى النفس الانسانية هيئة
إذعانيه و أثر أنفعالى قد رسخ فى النفس الناطقة من شأنها أن يجعلها قوية العلاقة
مع البدن شديدة الانصراف إليه.
و أما ملكة التوسط فالمراد منها التنزيه
[1] عن الهيئات الانقيادية و تبقية النفس الناطقة على جبلتها مع إفادة
هيئة الاستعلاء و التنزه، و ذلك غير مضاد لجوهرها و لا مائل بها إلى جهة البدن، بل
عن جهته؛ فإن المتوسط يسلب عنه الطرفان دائما. ثم جوهر النفس أنما كان البدن هو
الذى يغمره و يلهيه، و يغفله عن الشوق الذى يخصه، و عن طلب الكمال الذى له، و عن
الشعور بلذة الكمال إن حصل له، و الشعور بألم الكمال إن قصر عنه، لا بأن النفس
منطبعة فى البدن أو منغمسة فيه، و لكن العلاقة التى كانت بينهما و هو الشوق الجبلى
إلى تدبيره و الاشتغال بأثارة [2] و بما يورده عليه من عوارضه، و بما يتقرر فيه من ملكات مبدؤها
البدن، فإذا فارق و فيه الملكة الحاصلة بسبب الاتصال به كان قريب الشبه من حاله و
هو فيه، فبما ينقص من ذلك تزول غفلتة عن حركة الشوق الذى له إلى كماله، و بما يبقى
منه معه يكون محجوبا عن الاتصال الصرف بمحل سعادته، و يحدث هناك من الحركات
المتشوشة ما يعظّم أذاه.
ثم أن تلك الهيئة [3] البدنية مضادة لجوهرها مؤذية له، و إنما كان يلهيها عنها أيضا البدن
و تمام انغماسها فيه، فإذا فارقت النفس البدن أحست بتلك
[1] - التنزيه من «ن- ز- ه» و قد قرء التبرئة من «ب- ر- أ».
[2] - «أي بقية ممّا كانت يورد عليه من عوارضه البدنية، و في
التنزيل الكريم: «أو أثارة من علم» (الأحقاف: 5) أي بقيّة منه، و في طائفة من نسخ
الكتاب «بآثاره ربما يورد عليه».
[3] - البحث عن التكامل البرزخي للنفوس الناطقة الإنسانية.