الموجودات الواقعة فى ترتيبه، و تتصور العناية و كيفيتها.
و تتحقق أن الذات المتقدمة للكل أى وجود يخصها، و أية وحدة تخصّها، و
أنها كيف تعرف حتى لا يلحقها تكثر و تغير بوجه من الوجوه، و كيف ترتيب نسبة
الموجودات إليها.
ثم كلما ازداد الناظر استبصارا ازداد للسعادة استعدادا، و كأنه ليس
يتبرّأ الإنسان عن هذا العالم و علائقه إلّا أن يكون أكّد العلاقة مع ذلك العالم
فصار له شوق إلى ما هناك و عشق لما هناك فصدّه عن الالتفات إلى ما خلفه جملة.
و نقول أيضا: إن هذه السعادة الحقيقية لا تتم إلّا بإصلاح الجزء
العملى من النفس، و لتقدم لذلك مقدمة، و كأنّا قد ذكرناها فيما سلف، فنقول: إن
الخلق هو ملكة يصدر بها من النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية، و قد أمر فى
كتب الأخلاق بأن يستعمل التوسط بين الخلقين الضدين لا بأن تفعل أفعال التوسط دون
أن تحصل ملكة التوسط، بل أن تحصل ملكة التوسط، و ملكة التوسط كأنها موجودة للقوة
الناطقة و للقوى الحيوانية معا، أما القوى الحيوانية فبأن تحصل فيها هيئة الإذعان،
و أما للقوة الناطقة فبأن تحصل فيها هيئة الاستعلاء و اللا انفعال، كما [1] أن ملكة الإفراط و التفريط موجودة
للقوة الناطقة و للقوى الحيوانية معا، و لكن بعكس هذه النسبة
[2].
و معلوم أن الإفراط و التفريط هما مقتضيا القوى الحيوانية، و إذا
قويت القوى
[1] - ناظر إلى قوله: «كأنّها موجودة» أي ملكة التوسط كأنّها
موجودة للقوة الناطقة و للقوى الحيوانية معا، كما أن ملكة الإفراط و التفريط ....
[2] - يعني أنّ ملكة الإفراط و التفريط للقوى الحيوانية توجب هيئة
الاستعلاء و اللا انفعال، و للقوة الناطقة هيئة الإذعان.