لا يكون وجود ذلك الغرض و لا وجوده بمنزلة واحدة بالقياس إلى ذاته و
كمالات ذاته و مصالحها، بل يكون كونه عن ذاته كون الأغراض التى تختص بذاته فيعود
إلى أن ذاته تنال بذلك كمالا و حظا خاصا. و لذلك فإن سؤال اللم لا يزال يتكرر إلى
أن يبلغ المبلغ الراجع إلى الذات. مثاله إذا قيل للفاعل: لم فعلت كذا؟ فقال: لينال
فلان غرضا فيقال له: و لم طلبت أن ينال فلان غرضا؟ فقال: لأن الإحسان حسن لم يقف
السؤال بل قيل:
و لم تطلب ما هو حسن؟ فإذا أجيب حينئذ بخير يعود إليه أو شر ينتفى
عنه وقف السؤال، فإن حصول الخير لكل شىء و زوال الشر عنه هو المطلوب بذاته مطلقا.
فأما الشفقة و الرحمة و العطف على الغير و الفرح بما يحسن إلى الغير،
و الغم بما يقع من التقصير و غير ذلك فهى أغراض خاصة للفاعل و دواع يذم عاصيها [1] أو تنحط به منزلة كماله.
فالجود هو إفادة الغنى فى جميع الجهات عن الإفادة كمالا [2] فيكون ذلك المعنى بالقياس إلى القابل
خيرا و بالقياس إلى الفاعل جودا، و كل إفادة كمال فإنه يكون بالقياس إلى القابل
خيرا، سواء كان بعوض أو لا بعوض و لا يكون بالقياس إلى الفاعل جودا إلّا أن يكون
لا بعوض.
فهذا هو البيان لحقيقية الخير و الجود.
و قد تكلّمنا على العلل و أحوالها، و بقى أن نجمل فيها القول فنقول:
إن هذه العلل الأربع و إن كان يظن بها أنها لا تجتمع فى كثير من الأمور الموجودة