اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 26
ففى حياة ابن سينا كان تلاميذه يتذاكرونه، و فى مقدمتهم الجوزجانى و
بهمنيار، و تابعهم فى ذلك تلاميذهم كاللوكرى و الغيلانى من رجال القرن الخامس
الهجرى، و السرخسى و النيسابورى من رجال القرن السادس
[1]. و هنا تتصل السلسلة بنصير الدين الطوسى الذي يعد تلميذا مخلصا لابن
سينا، و إن تأخر عنه بنحو قرنين و نصف، و قد وقف من «إلهياته» موقف الشارح و المدافع.
و إلى جانب هؤلاء نجد مفكرين عظيمين من مفكرى الإسلام فى القرن
الخامس للهجرة تعاصرا و تلاقيا فى كثير فى اتجاهاتهما، و نعنى بهما الغزالى و
الشهرستانى، قرءا «الإلهيات» و ألما به إلماما دقيقا، و أدركا ما فيه من مواطن
الضعف. و يكاد الغزالى يركّز حملته على الفلاسفة- فى شخص ابن سينا خاصة- حول
البارئ و صفاته و صلته بمخلوقاته، فلا يرتضى فكرة الألوهية على نحو ما صوّروها، و
ينكر نظرية الصدور و قدم العالم [2].
و الشهرستانى، حين يفصل القول فى حدوث العالم و استحالة قدمه، يحكى
على لسان ابن سينا آراء استمد أغلبها من «الإلهيات»
[3]. و يجئ ابن رشد فى القرن السادس، فيختم سلسلة كبار الفلاسفة
الإسلاميين، و فى «تفسيره لما بعد الطبيعة» يرجع لابن سينا رجوعه إلى المشائيين
الآخرين، و يعرض آراءه المختلفة [4].
و فى العصور الأخيرة، يمكننا أن نشير إلى النسفى و الإيجى و
التفتازانى الذين كانت مؤلفاتهم عمدة البحث النظرى، و قد أخذوا بدورهم عن
«الإلهيات»، و تأثروا به كثيرا.
و إذا كانت الدراسات الكلامية هدف هؤلاء جميعا، فلا غرابة فى أن
يرجعوا إلى كتاب ابن سينا و هو فى صميم العلم الإلهى، مؤيدين كانوا أو معارضين، و
فى فلسفتهم الدينية صدى واضح له.