اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 25
نستطيع إذن أن نعد ابن سينا بين المتفائلين، أمثال سقراط و أفلاطون و
الرواقيين من القدامى أو ليبنتز و فولتير من المحدثين. و قد عاش فى جو لم تفقد فيه
مشكلة الصلاح و الأصلح كل ما كان لها من صدى، بعد أن رددها المعتزلة فى حماس و قوة
قبله بنحو قرن أو يزيد.
و اتصل بالغنوصية المزدكية و المانوية التي جعلت من الخير و الشر
مبدأين أساسيين لفلسفتها و عقيدتها. و مع هذا يأبى ابن سينا إلا أن يربط نظريته فى
العناية بأرسطو و المشائية، و كأنه ينحو فى ذلك منحى الاسكندر الأفروديسى الذي عزّ
عليه أن تكون هذه النظرية من صنع الرواقيين وحدهم. حقا إن المعلم الأول حرص على أن
يخضع الكون لشىء من النظام و الغاية، و ردد أن اللّه و الطبيعة لا يعملان شيئا
عبثا، و لكن فكرة الألوهية عنده لا تتسع لمعنى العناية.
و مهما يكن من أمر فابن سينا يردّ- كليبنتز- الخير و الشر إلى اللّه،
و لا يرى فى صدور الشر عنه نقصا، لأن ما هو شر فى ذاته خير بالنسبة لجملة العالم.
و لكن أ ليس فى هذا تحديد لقدرة البارئ جل شأنه؟ يظهر أن القائلين بنظرية الصدور
فاتهم جميعا أن يضعوا القدرة الإلهية فى مكانها اللائق بها. و من جهة أخرى، أما
كان فى الإمكان أن يخلق العالم و لا شرور فيه؟ يضع ابن سينا هذا السؤال، و لا يجد
جوابا عليه إلا أن النظام الأكمل للكون يقتضى وجود هذه الشرور [1].
(د) الإلهيات فى العالم العربى
سبق لنا أن عرضنا لأثر كتاب «الشفاء» فى العالم العربى، و بيّنا أنه
كان دعامة قوية من دعائم الفكر الإسلامى العلمى و الفلسفى منذ القرن الخامس إلى
القرن الرابع عشر للهجرة [2].
و إذا وقفنا عند «الإلهيات» خاصة، وجدنا أنه كان من أشد أقسامه تأثيرا، لأنه يدور
حول مشاكل شغلت الأذهان و كانت أساس البحث فيما سمى بعلوم المعقول.