لم يقف أثر هذا الكتاب عند الشرق، بل امتد إلى الغرب، و كان فى مقدمة
أجزاء «الشفاء» التي عنى الغربيون بترجمتها. و قد عرضنا من قبل لهذه الترجمة، و
أشرنا إلى أن طليطلة كانت مقرها الأول، و أنها بدأت فى تاريخ مبكر، فى الربع
الأخير من القرن الثاني عشر. و عوّل فيها على الأسبانية الدارجة، القشتالية، فكان
يترجم من العربية إليها، و منها إلى اللاتينية تحت إشراف جند سالينوس و رعايته [2].
و ما إن تزجم كتاب «الإلهيات»، أو «الميتافزيقى» كما كانوا يسمونه،
إلى اللاتينية حتى اخذ فى نسخه و المسارعة إلى اقتنائه، و انتشر فى الأوساط
الثقافية الأوروبية المختلفة، كمونبليه، و باريس، و أكسفورد، و كولونى. و عنى مفكر
و الغرب بدرسه و تفهمه، لأنه يشرح أرسطو و يكمّله، و ينقّحه خاصة من الناحية
الدينية، و يلتقى مع آراء ألفوها من قبل لدى القديس أوغسطين، و يواجه مشاكل كانوا
يبحثون عن حلها.
و نستطيع أن نقول إن فلسفة ابن سينا مثلت فى الغرب بجزءين من أجزاء
«الشفاء»، هما «كتاب النفس» و «الإلهيات»، و قد وصلا فى القرن الثالث عشر إلى
منزلة لم يسم إليها أى جزء آخر، بل و لا أى كتاب فلسفى عربى.
و كان أثر «الإلهيات» عميقا إلى حدّ أنه كان كثير الورود على
الأقلام، و استخدمت بكثرة بعض تعبيراته و تعاريفه. و وضعت كتب اعتمد فيها على كثير
من نصوصه، و من أخصها «De Fluxu entis، و ذلك الكتاب المنحول الذي يأخذ عن ابن سينا
دون أن يصرح دائما باسمه [3]. و أثار كتاب «الإلهيات» حركة فكرية اشتد فيها الأخذ و الرد و هى ما
سميت بالأوغسطينية السينوية أو مذهب ابن سينا اللاتينى
[4].
[1] عوّلنا فى هذا على بحث مستفيض للأب قنواتى لم يتسع له المجال
هنا، و عنوانه:
L'Influence de la Metaphysique d'Aviceonne dans POccident latin