اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 24
و منها القحط و الجدب [1]. و كم يذكرنا هذا بتلك القسمة الثلاثية التي قال بها ليبنتز بعده
بنحو سبعة قرون، و تقوم على تقسيم الشرور إلى ثلاثة أقسام: طبيعية، و أخلاقية، و
ميتافزيقية [2].
و إذا كان الشر موجودا، فكيف نوفّق بينه و بين عناية اللّه و خيرية
العالم؟ هذا ما أجهد ابن سينا نفسه فى توضيحه، ملاحظا أن هذه الشرور لا تتنافى مع
العناية فى شىء.
ذلك لأنها طفيفة و جزئية، فلا توجد إلا فيما تحت فلك القمر، أما عالم
السماوات فخير كله، و لا جدال فى أن عالم الأرض أصغر بكثير من عالم السماء. على أن
الشرور الأرضية نفسها محدودة، فهى لا تصيب إلّا أشخاصا و فى أوقات معينة، فى حين
أن الأنواع محفوظة و الفرد لا أهمية له بجانب النوع
[3]. و هناك شرور ظاهرية، أو إن شئت نسبية، ليست شرا فى ذاتها، كالجهل
بالفلسفة أو الهندسة يكون شرا بالنسبة لأناس، و لا ضير فيه على آخرين [4]، و كالنار تكون شرا إن أحرقت الناسك
الفقير، و خيرا إن ساعدت على نضج الطعام [5]. و هناك شرور صغيرة توصل إلى خير محقق، و تقى من شر أعظم، و كثيرا
ما تحدثوا عن أخف الضررين و أهون الشرين، دون أن يتعارض هذا مع كمال الكون و صلاحه [6]. و وجود هذه الشرور لا يعنى أنها غير
مرادة، فإن الحكمة فيها واضحة و المصلحة منها ظاهرة، و لا غضاضة مطلقا من دخول
الشر فى القضاء الإلهى [7].
و لن يحول دخوله دون القول بخيرية العالم، لأن أكثريته فى جانب الخير، و ليس فى
الإمكان أبدع مما كان [8].