اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 23
أمثال أبى القاسم الكرمانى [1]، و ينعتهم «بالمعطلة»، لأن قولهم بحدوث العالم يؤدى إلى تعطيل وجود
واجب الوجود قبل أن يوجد العالم [2]. فالله علة فاعلة خلاقة، خلقت العالم قبل الزمان، و بقى متوقفا
عليها إلى النهاية.
و القول بخلق العالم يلتقى مع تعاليم الإسلام، بقدر ما يبتعد عن
الأرسطية، و لا سيما و هو على ذلك النحو من الصدور الذي يرجع إلى أصل أفلوطينى
واضح. غير أن هذا الخلق يكاد يكون صوريا، لأنه لا يدع مجالا للحرية و الاختيار، و
يخضع الخالق جل شأنه للضرورة و نظام الكون العام. و بذا لا يرضى المعتزلة و لا
الأشاعرة الذين يرون أن اللّه حر، يخلق أو لا يخلق كما يشاء، «إنما أمره إذا أراد
شيئا أن يقول له كن فيكون». و ابن سينا الحريص على التوحيد يغدق على العقول
المفارقة صفات تكاد تختلط بها مع واجب الوجود، و تنتهى إلى تعدد لم يرده. و الواقع
أن العقول العشرة نظرية متهافتة، و هى فى أساسها فلكية طبيعية، و ازداد تهافتها
باستخدامها فى الإلهيات. و قد انقضى الزمن الذي كانت تفسر فيه حركات الأفلاك
تفسيرا غيبيا أسطوريا، بعد أن اكتشف نيوتن قانون الجذب العام.
9- العناية:
فى الكون آيات عجيبة و حكم باهرة لا يمكن أن تصدر اتفاقا، و إنما
جاءت وليدة تدبير محكم و نظام دقيق، و هذا ما نسميه العناية. و يراد بها علم اللّه
الأزلى بنظام الخير و الكمال، و صدور العالم عنه وفق ذلك و على أكمل وجه ممكن [3]، و لكن هل معنى هذا إلا سبيل للشر إلى
هذا العالم؟ استمسك بهذا قوم، و أنكره آخرون.
و لا يجد ابن سينا بدا من التسليم بوجود الشر، و كيف لا و هو يراه
بعينه، و يسمعه بأذنه. و يذهب إلى أن الشرور متنوعة: فمنها الأمراض و الآلام، و
منها الذنوب و المعاصى،
[1] محمد ثابت الفندى، الكتاب الذهبى للهرجان الألفي لذكرى ابن
سينا، القاهرة 1952، ص 204.