اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 18
لا يتحقق و لا يبقى إلّا بالعلة التي أحدثته
[1]. و فى حديث ابن سينا عن الفاعلية ما يؤذن بأنه يستمسك بالآلية، و لو
فى عالم الطبيعة على الأقل، و لكنه لا يلبث أن يردها إلى غائبة مفرطة.
و الغاية ما لأجله يكون الشىء، و قد تكون فى نفس الفاعل كالفرح
بالغلبة، أو خارجة عنه كمن يفعل شيئا ليرضى به غيره. و من الغايات التشبه بشيء
آخر، و المتشبّه به من حيث هو متشوّق إليه غاية، و التشبه نفسه غاية [2]. و العلة الغائية مسببة لوجود العلل
الأخرى، و هى سابقة عليها فى الذهن و الوجود، فهى علة العلل
[3]. و إثباتا لهذا يستعرض ابن سينا العلل الأخرى علة علة، محاولا ردها
إلى الغائية [4]. و فى هذا ما يبعده عن أرسطو الذي يرد
العلل إلى الهيولى و الصورة اللتين يتكون منهما الشىء و يعلم بهما، و الفاعل إنما
يفعل على حسب صورته، و الغاية مرتسمة أيضا فى صورة المحرك يقصد إليها [5]. و طبيعى أن يعتد ابن سينا بالغائية
اعتدادا أوضح من فيلسوف اليونان، لأن عالمه كله يخضع للمبدإ الأول غاية الغاية، و
هو أشبه ما يكون «بمملكه غايات» إن صح أن نستعمل هنا التعبير الكانتى. و القول
بالغائية لا ينفى الاتفاق أو الصدفة. لأن هذه غاية خفية و غير محددة [6].
و لا عبث فى الكون مطلقا، بل كل ما فيه يسير حسب نظام ثابت، و تدبّره
حكمة أزلية [7].
و العلل الحقيقية موجودة مع معلولها، أما المتقدمة عليه فهى علل
بالعرض. و العلل متناهية مهما تلاحقت، بحيث تنتهى إلى علة العلل التي هى علة فى
ذاتها، و ليست معلولا لشىء آخر. و العلة الكاملة هى التي تعطى الوجود و تبقى
عليه، و يسمى هذا «إبداعا»،