اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 15
كالمفكرة و المتخيلة لدى الإنسان، و غير نطقية لا إرادة فيها و لا
اختيار، و من أمثلتها الطبيعة التي تعتبر قوة بأوسع معنى
[1]. و من القوى ما هو قريب ينتقل إلى الفعل فورا، و ما هو بعيد يتم
انتقاله فى مرحلة طويلة [2].
و منها ما هو بالطبع و الفطرة، و منها ما يكتسب بالعادة و الصناعة [3].
و من الفلاسفة من يزعم أن القوة لا توجد إلّا متى وجد الفعل، فالقاعد
ليس فى جبلته أن يقوم ما لم يقم، و الخشب ليس من شأنه أن يصنع بابا ما لم يصنع. و
هذا زعم خاطئ، و مؤداه استحالة الوجود، لأن كل حادث- قبل كونه- لا بد أن يكون ممكن
الوجود، و إلا امتنع وجوده. و هذا الإمكان وجود بالقوة، و تهيؤ للوجود بالفعل [4]. و فى شىء من التهكم يلاحظ ابن سينا
أن هذا الزعم يؤدى بأصحابه إلى العمى، لأنهم إن فقدوا الإبصار بالقوة فلن يروا
إلّا مرة واحدة بالفعل، ثم لا يرون بعدها شيئا
[5].
و هو فى هذا يناقش، على نحو ما صنع أرسطو، رجال المدرسة الميغارية، و
إن لم يصرح باسمهم، و كل ما يشير إليه أنهم جماعة عاصروا أرسطو و عاشوا بعده [6]. ثم يذكر اسما غريبا هو «غاريقو» [7]، و أغلب الظن أنه تعريب محرف لكلمة
وقع فيه المترجمون الأول، فانا نجد الكلمة نفسها فى النص العربى لترجمة
«الميتافزيقى» الذي علق عليه ابن رشد [8]، و كثيرا ما خلّط هؤلاء المترجمون فى الأسماء اليونانية حين
عرّبوها.
و القوة و الفعل متقابلان: الأولى نقص و الثاني كمال، و إذا كان
العالم الأرضى يخالطه الشر فما ذاك إلّا لأنه عالم القوة. أما العالم السماوى
فعالم الفعل الدائم، و لا سبيل