اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 14
و هو بهذا يفترق على كل حال عن أرسطو، فبينما يقول الأخير بالمادة و
الصورة ليفسر التغير فى عالم قديم أزلى، إذا بالأول يستخدم الفرض نفسه ليفسر الخلق
الذي جاء به القرآن. و ما الوجود إلا اتصال المادة بصورتها، و العدم انفصالها
عنها. و الصور موجودة أزلا فى العقل الفعّال الذي يعطيها فيتحقق الكون، و يسلبها
فيحدث الفساد [1].
و بذا نخرج من غموض المادة الأرسطية إلى هيولى و عناصر أزلية، يشكلها
و يصورها العقل الفعّال على مقتضى الحكمة.
و كانت فكرة الخلق هذه من بين الأفكار التي قرّبت ابن سينا من فلسفة
القرون الوسطى المسيحية، لأنها ترمى إلى التوفيق بين الدين و الفلسفة. و مع هذا لم
ترض كثيرين فى الشرق و الغرب، لأن هذا الخلق الأزلى يكاد يكون صوريا، و لا يدع
للبارئ المبدع مجالا يعتد به.
و فى مقابلة ابن سينا بين المادة و الصورة مقابلة واضحة ما أثار
مشكلة مبدأ الفردية( Principe d`individuation )، تلك المشكلة المدرسية الخالصة. هل أساس
فردية الموجود و تشخصه مادته أو صورته؟ لعل ابن سينا أميل- برغم ما زعمه جيوم
دوفرنى- إلى القول مع دونس اسكوت بأنه الصورة، فى حين أن القديس توماس يقول
بالمادة.
و مهما يكن من أمر فهذه المشكلة لم تستوقف فلاسفة الإسلام بقدر ما
استوقفت فلاسفة الغرب.
5- القوة و الفعل:
تطلق القوة على مقدرة الحيوان على الحركة و إحداث أفعال مختلفة، و هى
بهذا فاعلية.
و تطلق أيضا على مدى تحمله و مقاومته إذا ما اشتد عليه العمل أو أصيب
بأذى بحيث لا ينفعل، فهى انفعالية [2]. و فى كلتا الحالين قد تكون مجرد استعداد و تهيؤ، فتصبح مبدأ تغير و
وسيلة للانتقال من حال إلى أخرى [3]. و القوى نطقية تستلزم عقلا و تخيلا