عدله في الرعية، و مساواته بين الناس في كل قضية، و لم يكن لأحد فيه
مطمع، و لا عنده لأحد هوادة، فالقوي العزيز عنده ضعيف ذليل حتى يأخذ منه الحق، و
الضعيف الذليل عنده قوي عزيز حتى يأخذ له بحقه، فمتى تخضع الأعراب طوعا لمثله و
همأَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ
أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ[1]وَ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ[2]و فيها بطانة لا
يألونهم خبالا.
و أيضا، فإن قريشا و سائر العرب كانوا يحسدونه على ما آتاه اللّه من
فضله، حيث بلغ في علمه و عمله رتبة- عند اللّه و رسله و أولي الألباب- تقاصر عنها
الأقران، و تراجع عنها الأكفاء، و نال من اللّه و رسوله بسوابقه و خصائصه، منزلة،
تشرئب إليها أعناق الأماني، و شأوا تنقطع دونه هوادي المطامع، و بذلك دبّت عقارب
الحسد له في قلوب المنافقين، و اجتمعت على نقض عهده كلمة الفاسقين و الناكثين و
القاسطين و المارقين، فاتخذوا النص ظهريا، و كان لديهم نسيا منسيا.
فكان ما كان مما لست أذكره فظنّ خيرا و لا تسأل عن الخبرو أيضا، فإن قريشا و سائر العرب، كانوا
قد تشوقوا إلى تداول الخلافة في قبائلهم، و اشرأبّت إلى أطماعهم، فأمضوا نياتهم
على نكث العهد، و وجهوا عزائمهم إلى نقض العقد، فتصافقوا على تناسي النص، و
تبايعوا على أن لا يذكر بالمرّة، و أجمعوا على صرف الخلافة من أول أيامها عن وليها
المنصوص عليه من نبيها، فجعلوها بالانتخاب و الاختيار، ليكون لكل حي