غير، أما الأمر الذي يراه نفر من الأمة فينهضون به، ثم يتسنّى لهم
إكراه أهل الحلّ و العقد عليه، فلا دليل على صوابه، و بيعة السقيفة لم تكن عن
مشورة، و إنما قام بها الخليفة الثاني، و أبو عبيدة، و نفر معهما، ثم فاجئوا بها
أهل الحل و العقد، و ساعدتهم تلك الظروف على ما أرادوا.
و أبو بكر يصرح بأن بيعته لم تكن عن مشورة و لا عن روية، و ذلك حين
خطب الناس في أوائل خلافته معتذرا إليهم، فقال: «إنبيعتي كانت فلتة، وقى اللّه شرها، و خشيت الفتنة ... الخطبة[1][2]».
و عمر يشهد بذلك على رءوس الأشهاد في خطبة خطبها على المنبر النبوي
يوم الجمعة في أواخر خلافته، و قد طارت كل مطير، و أخرجها البخاري في صحيحه[3]،و إليك محل الشاهد منها بعين لفظه، قال: ثم إنه بلغني أن قائلا[4]منكم يقول: و اللّه
لو مات عمر بايعت فلانا؛ فلا يغترنّ امرؤ
[1]أخرجها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، في كتاب السقيفة، و
نقلها ابن أبي الحديد ص 132 من المجلد الأول من شرح النهج. (منه قدّس سرّه).
[2]يوجد ذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 132 و ج 2 ص
19 أوفست بيروت على ط 1 بمصر، و ج 1 ص 311 ط دار مكتبة الحياة، و ج 2 ص 50 و ج 6 ص
47 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و ج 1 ص 154 ط دار الفكر في بيروت.
و نقله في هامش البحار: ج 28 ص 315 عن أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1
ص 590 ط مصر.
[3]راجع من الصحيح باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت (و هو في كتاب
الحدود و المحاربين من أهل الكفر و الردّة) تجد الخطبة مع مقدمتها ص 119 من جزئه
الرابع. و أخرجها غير واحد من أصحاب السنن و الأخبار كابن جرير الطبري في حوادث
سنة 11 من تاريخه، و نقلها ابن أبي الحديد ص 122 من المجلد الأول من شرح النهج.
(منه قدّس سرّه).
[4]القائل هو الزبير و نص مقالته: و اللّه، لو مات عمر لبايعت عليا
فإن بيعة أبي بكر إنما كانت فلتة و تمّت، فغضب عمر غضبا شديدا و خطب هذه الخطبة،
صرح بهذا كثير من شراح البخاري، فراجع تفسير هذا الحديث من شرح القسطلاني ص 352 من
جزئه الحادي عشر، تجده ينقل ذلك عن البلاذري في الأنساب مصرحا بصحة سنده- على شرط
الشيخين-. (منه قدّس سرّه).