قال الفرّاء: يعني «المكسوّ»
كقولك: «ماء دافق» و «عيشة راضية» لأنّها يقال:
«كسي العريان» و لا يقال: «كسا العريان».
و هذا ممّا يذمّ به أي ليس لك إلّا
أنّك تأكل و تكسى.
-
من يفعل الخير لا يعدم جوائزه
لا يذهب العرف بين اللّه و النّاس
أخرج الجمحيّ و ابن عساكر عن
يونس النحويّ قال: كان سبب هجاء الحطيئة الزّبرقان أنّه قدم المدينة فقال: وددت
أنّي أصبت رجلا يحملني و أصفيه مديحتي و أقتصر عليه. فقال الزبرقان: قد أصبته،
تقدّم على أهلي فإنّي على أثرك، و أرسل إلى امرأته أن أكرمي مثواه، و كان مع
الحطيئة ابنة جميلة، فكرهت امرأته مكانها فأظهرت لهم جفوة فأخذ بغيض بن عامر- و هو
يومئذ ينازع الزبرقان الشرف- فبنى عليه قبّة و نحر له فأكرمه كلّ الإكرام، فعمل
الحطيئة هذه القصيدة فاستعداه الزبرقان إلى عمر بن الخطّاب و ادّعى عليه أنّه
هجاه، فقال له: ما قال لك؟ فأنشده القصيدة، فقال عمر: ما أسمع هجاء إنّما أسمع
معاتبة، فقال: و ما تبلغ مروءتي إلّا أن آكل و أشرب؟ فقال: اجعل بيني و بينه
حسّانا، فقال لحسّان: أتراه هجاه؟ قال: نعم.
قال الجعفريّ: اقرأ هذه القصّة
ثمّ اضحك من قول الجاحظ المعتوه حيث يقول في كتاب «البيان و التبيين»: «كان عمر
أعلم النّاس بالشّعر».
قال عبد القادر البغداديّ: فقال
عمر: ما أراه هجاك و لكنّه مدحك، فقال الزبرقان:
اجعل بيني و بينه حسّان بن ثابت،
فبعث عمر إلى حسّان، فلمّا أتاه أنشده قول الحطيئة، فقال حسّان: ما هجاه و لكن سلح
عليه اه.
[شواهد المغني 2: 916، شواهد الشافية: 121، تاريخ الأدب العربي 1:
333]
[1] «الكاسي» بمعنى «المكسوّ» كما أنّ العاصم في قوله تعالى:
لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بمعنى «المعصوم» و لا
تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل، ألا ترى أنّ قوله تعالى: مِنْ
ماءٍ دافِقٍ بمعنى «مدفوق» و عِيشَةٍ راضِيَةٍ*
بمعنى مرضيّة، يستدلّ على ذلك بأن تقول:
رضيت بهذه العيشة، و دفق الماء،
و كسي العريان- بالبناء للمفعول، و لا تقول ذلك بالبناء للفاعل.