اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 98
فصل «هذا كلام في النّكرة إذا قدّمت على الفعل، أو قدّم الفعل
عليها»
إذا قلت: «أ جاءك رجل؟»، فأنت تريد
أن تسأله هل كان مجيء من واحد من الرجال إليه، فإن قدمت الاسم فقلت: «أرجل
جاءك؟»، فأنت تسأله عن جنس من جاءه، أرجل هو أم امرأة؟ و يكون هذا منك إذا كنت
علمت أنه قد أتاه آت، و لكنك لم تعلم جنس ذلك الآتي، فسبيلك في ذلك سبيلك إذا أردت
أن تعرف عين الآتي فقلت: «أزيد جاءك أم عمرو؟».
و لا يجوز تقديم الاسم في المسألة
الأولى، لأن تقديم الاسم يكون إذا كان السؤال عن الفاعل، و السؤال عن الفاعل يكون
إمّا عن عينه أو عن جنسه، و لا ثالث.
و إذا كان كذلك، كان محالا أن
تقدّم الاسم النكرة و أنت لا تريد السؤال عن الجنس، لأنه لا يكون لسؤالك حينئذ
متعلّق، من حيث لا يبقى بعد الجنس إلّا العين.
و النّكرة لا تدلّ على عين شيء
فيسأل بها عنه.
فإن قلت: «أرجل طويل جاءك أم
قصير؟»، كان السؤال عن أن الجائي كان، من جنس طوال الرجال أم قصارهم؟ فإن وصفت
النكرة بالجملة فقلت: «أرجل كنت عرفته من قبل أعطاك هذا أم رجل لم تعرفه»، كان
السؤال عن المعطي، أ كان ممّن عرفه قبل، أم كان إنسانا لم تتقدّم منه معرفة [له].
و إذ قد عرفت الحكم في الابتداء
بالنكرة في «الاستفهام»، فابن «الخبر» عليه.
فإذا قلت: «رجل جاءني»: لم يصلح
حتى تريد أن تعلمه أن الذي جاءك رجل لا امرأة، و يكون كلامك مع من قد عرف أن قد
أتاك آت. فإن لم ترد ذاك، كان الواجب أن تقول: «جاءني رجل»، فتقدّم الفعل.
و كذلك إن قلت: «رجل طويل جاءني»،
لم يستقم حتّى يكون السامع قد ظنّ أنه قد أتاك قصير، أو نزّلته منزلة من ظنّ ذلك.
و قولهم: «شرّ أهرّ ذا ناب»، إنما
قدّم فيه «شرّ»، لأن المراد أن يعلم أن الذي أهرّ ذا الناب هو من جنس الشّرّ لا
جنس الخير، فجرى مجرى أن تقول: «رجل
[1] ورد في مجمع الأمثال للميداني (1/ 326)، و هو يضرب عند ظهور
علامات الشر.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 98