اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 99
جاءني»، تريد أن رجل لا امرأة، و قول العلماء إنه إنما يصلح، لأنه
بمعنى «ما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ».
بيان لذلك: أ لا ترى أنك لا تقول:
«ما أتاني إلّا رجل»، إلا حيث يتوهّم السامع أنه قد أتتك امرأة، و ذاك لأنّ الخبر
ينقض النّفي يكون حيث يراد أن يقصر الفعل على شيء، و ينفى عمّا عداه. فإذا قلت:
«ما جاءني إلّا زيد»، كان المعنى أنك قد قصرت المجيء على زيد، و نفيته عن كل من
عداه. و إنّما يتصوّر قصر الفعل على معلوم، و متى لم يرد بالنكرة الجنس، لم يقف منها
السامع على معلوم، حتى تزعم أني أقصر له الفعل عليه، و أخبره أنه كان منه دون
غيره.
و اعلم أنّا لم نرد بما قلناه، من
أنه إنما حسن الابتداء بالنكرة في قولهم: «شرّ أهرّ ذا ناب»، لأنه أريد به الجنس،
أنّ معنى «شرّ» و «الشرّ» سواء، و إنما أردنا أن الغرض من الكلام أن نبيّن أنّ
الذي أهرّ ذا الناب هو من جنس الشر لا جنس الخير، كما أنا إذا قلنا في قولهم:
«أرجل أتاك أم امرأة؟»، أن السؤال عن الجنس، لم نرد بذلك أنه بمنزلة أن يقال:
«الرّجل أم المرأة أتاك»، و لكنّا نعني أن المعنى على أنك سألت عن الآتي أ هو من
جنس الرجال أم جنس النساء؟ فالنكرة إذن على أصلها من كونها لواحد من الجنس، إلا
أنّ القصد منك لم يقع إلى كونه واحدا، و إنما وقع إلى كونه من جنس الرجال.
و عكس هذا أنك إذا قلت: «أرجل أتاك
أم رجلان؟»، كان القصد منك إلى كونه واحدا، دون كونه رجلا، فاعرف ذلك أصلا، و هو
أنّه قد يكون في اللفظ دليل على أمرين، ثم يقع القصد إلى أحدهما دون الآخر، فيصير
ذلك الآخر- بأن لم يدخل في القصد- كأنه لم يدخل في دلالة اللفظ.
و إذا اعتبرت ما قدّمته من قول
صاحب الكتاب: «إنّما قلت: «عبد اللّه» فنبهته له، ثم بنيت عليه الفعل»، وجدته
يطابق هذا. و ذاك أنّ التنبيه لا يكون إلّا على معلوم، كما أن قصر الفعل لا يكون
إلا على معلوم، فإذا بدأت بالنكرة فقلت:
«رجل»، و أنت لا تقصد بها الجنس، و أن تعلم السامع أنّ الذي أردت
بالحديث رجل لا امرأة، كان محالا أن تقول: «إني قدّمته لأنبّه المخاطب له»، لأنه
يخرج بك إلى أن تقول: إنّي أردت أن أنبه السّامع لشيء لا يعلمه في جملة و لا
تفصيل. و ذلك ما لا يشكّ في استحالته، فاعرفه.