اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 95
الصَّالِحِينَ [الأعراف: 196]، و قوله تعالى:وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا
[الفرقان: 5]، و قوله تعالى: وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ
جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
[النمل: 17]، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبنيّ على
الاسم فقيل: «إن وليّي اللّه الذي نزل الكتاب و يتولّى الصالحين»، و «اكتتبها
فتملى عليه»، و «حشر لسليمان جنوده من الجن و الإنس و الطير فيوزعون»، لوجد اللفظ
قد نبا عن المعنى، و المعنى قد زال عن صورته و الحال التي ينبغي أن يكون عليها.
و اعلم أنّ هذا الصنيع يقتضي في
الفعل المنفيّ ما اقتضاه في المثبت، فإذا قلت: «أنت لا تحسن هذا»، كان أشدّ لنفي
إحسان ذلك عنه من أن تقول: «لا تحسن هذا، و يكون الكلام في الأول مع من هو أشدّ
إعجابا بنفسه، و أعرض دعوى في أنه يحسن حتى إنّك لو أتيت ب «أنت» فيما بعد «تحسن»
فقلت: «لا تحسن أنت»، لم يكن له تلك القوة.
و كذلك قوله تعالى:
وَ الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ
[المؤمنون: 59]، يفيد من التأكيد في نفي الاشتراك عنهم، ما لو قيل: «و الذين لا
يشركون بربهم، أو:
بربهم لا يشركون» لم يفد ذلك. و
كذا قوله تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ [يس: 7]، و قوله تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ
الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ [القصص:
66]، و إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنفال: 55].
و مما يرى تقديم الاسم فيه
كاللازم: «مثل»، و «غير»، في نحو قوله: [من السريع]
مثلك يثني الحزن عن صوبه
و يستردّ الدّمع عن غربه
و قول الناس: «مثلك رعى الحقّ و
الحرمة»، و كقول الذي قال له الحجاج:
[1] البيت للمتنبي في ديوانه (2/ 327) من قصيدة قالها في رثاء عمة
عضد الدولة ببغداد، و رواية الديوان: «يثني الحزن» و هي الأصح، إذ قوله: «يثني
المزن» لا يناسب مقام الرثاء. و البيت في شرح التبيان للعكبري: (1/ 153)، و الإيضاح
[70] ، و الإشارات و التنبيهات
[50] ، و نهاية الإيجاز
[311] . و الغروب: مجاري
الدمع، للعين غربان مقدمها و مؤخرها. قال الأصمعي: يقال بعينه غرب إذا كان يسيل و
لا ينقطع دموعها و الغروب الدمع. و الصوب: القصد و الإصابة و الصوت. المعنى: يريد
أنك تقدر على دفع الحزن عن قصده و تغلبه بالصبر و ترد الدمع إلى قراره و مجراه بأن
تصرفه عن المجرى، و كيف لا تفعل هذا و أنت لا شبه لك.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 95