responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 94

و يزيدك بيانا أنه إذا كان الفعل مما لا يشكّ فيه و لا ينكر بحال، لم يكد يجي‌ء على هذا الوجه، و لكن يؤتى به غير مبنيّ على اسم، فإذا أخبرت بالخروج مثلا عن رجل من عادته أن يخرج في كل غداة قلت: «قد خرج»، و لم تحتج إلى أن تقول: «هو قد خرج»، و ذاك لأنه ليس بشي‌ء يشكّ فيه السامع، فتحتاج أن تحقّقه، و إلى أن تقدّم فيه ذكر المحدّث عنه. و كذلك إذا علم السامع من حال رجل أنه على نيّة الركوب و المضيّ إلى موضع، و لم يكن شكّ و تردّد أنه يركب أو لا يركب، كان خبرك فيه أن تقول: «قد ركب»، و لا تقول: «هو قد ركب». فإن جئت بمثل هذا في صلة كلام، و وضعته بعد و او الحال، حسن حينئذ، و ذلك قولك: «جئته و هو قد ركب»، و ذاك أن الحكم يتغيّر إذا صارت الجملة في مثل هذا الموضع، و يصير الأمر بمعرض الشّك، و ذاك أنه إنما يقول هذا من ظنّ أنّه يصادفه في منزله، و أنّه يصل إليه من قبل أن يركب.

فإن قلت‌: فإنك قد تقول: «جئته و قد ركب» بهذا المعنى، و مع هذا الشكّ.

فإن الشكّ لا يقوى حينئذ قوته في الوجه الأول، أ فلا ترى أنك إذا استبطأت إنسانا فقلت: «أتانا و الشمس قد طلعت»، كان ذلك أبلغ في استبطائك له من أن تقول: «أتانا و قد طلعت الشمس»؟ و عكس هذا أنك إذا قلت: «أتى و الشمس لم تطلع»، و كان أقوى في وصفك له بالعجلة و المجي‌ء قبل الوقت الذي ظنّ أنه يجي‌ء فيه، من أن تقول: «أتى و لم تطلع الشمس بعد».

هذا، و هو كلام لا يكاد يجي‌ء إلّا نابيا، و إنما الكلام البليغ هو أن تبدأ بالاسم و تبني الفعل عليه كقوله: [من الكامل‌] قد أغتدي و الطّير لم تكلّم فإذا كان الفعل فيما بعد هذه الواو التي يراد بها الحال، مضارعا، لم يصلح إلا مبنيّا على اسم كقولك: «رأيته و هو يكتب»، و «دخلت عليه و هو يملي الحديث»، و كقوله: [من الطويل‌]

تمزّزتها و الدّيك يدعو صباحه‌

إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا

ليس يصلح شي‌ء من ذلك إلا على ما تراه، لو قلت: «رأيته و يكتب» و «دخلت عليه و يملي الحديث»، و «تمززتها و يدعو الديك صباحه»، لم يكن شيئا.

و ممّا هو بهذه المنزلة في أنك تجد المعنى لا يستقيم إلا على ما جاء عليه من بناء الفعل على الاسم قوله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى‌


[1] قوله: (فإن قلت) جوابه: (فإن الشك).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست