اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 87
فصل و إذ قد عرفت هذه المسائل في «الاستفهام»، فهذه مسائل في
«النفي».
إذا قلت: «ما فعلت»، كنت نفيت عنك
فعلا لم يثبت أنه مفعول، و إذا قلت:
«ما أنا فعلت»، كنت نفيت عنك فعلا يثبت أنّه مفعول.
تفسير ذلك: أنك إذا قلت: «ما قلت
هذا»، كنت نفيت أن تكون قد قلت ذاك، و كنت نوظرت في شيء لم يثبت أنه مقول؟
و إذا قلت: «ما أنا قلت هذا»، كنت
نفيت أن تكون القائل له، و كانت المناظرة في شيء ثبت أنه مقول. و كذلك إذا قلت:
«ما ضربت زيدا»، كنت نفيت عنك ضربه، و لم يجب أن يكون قد ضرب، بل يجوز أن يكون
ضربه غيرك، و أن لا يكون قد ضرب أصلا. و إذا قلت: «ما أنا ضربت زيدا»، لم تقله إلا
و زيد مضروب، و كان القصد أن تنفي أن تكون أنت الضارب.
و من أجل ذلك صلح في الوجه الأوّل
أن يكون المنفيّ عامّا كقولك: «ما قلت شعرا قطّ»، و «ما أكلت اليوم شيئا»، و «ما
رأيت أحدا من الناس»، و لم يصلح من الوجه الثاني، فكان خلفا أن تقول: «ما أنا قلت
شعرا قط»، و «ما أنا أكلت اليوم شيئا»، و «ما أنا رأيت أحدا من الناس»، و ذلك أنه
يقتضي المحال، و هو أن يكون هاهنا إنسان قد قال كلّ شعر في الدنيا، و أكل كلّ شيء
يؤكل، و رأى كل أحد من الناس، فنفيت أن تكونه.
و مما هو مثال بيّن في أن تقديم
الاسم يقتضي وجود الفعل قوله: [من المتقارب]
و ما أنا أسقمت جسمي به
و لا أنا أضرمت في القلب نارا
المعنى، كما لا يخفى، على أن
السّقم ثابت موجود، و ليس القصد بالنّفي إليه، و لكن إلى أن يكون هو الجالب له، و
يكون قد جرّه إلى نفسه.
[1] البيت للمتنبي في ديوانه
[118] ، و هو من قصيدة قالها ردّا على
تنكر سيف الدولة له بسبب تأخره عن مدحه، و مطلعها:
أرى ذلك القرب صار ازورارا
و صار طويل السلام اختصارا
و المعنى: أنه يعتذر بما عرض له
من الهم الذي أسقم جسمه و جعل في قلبه نارا لحرارته، فهو الذي كان السبب في انقطاع
الشعر و النوم جميعا، يقول: أنا لا أقدر أن أفعل شيئا من هذا. التبيان على شرح
ديوان المتنبي للعكبري.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 87