اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 86
و اعلم أن حال المفعول فيما ذكرنا كحال الفاعل، أعني أنّ تقديم اسم
المفعول يقتضي أن يكون الإنكار في طريق الإحالة و المنع من أن يكون، بمثابة أن
يوقع به مثل ذلك الفعل، فإذا قلت: «أ زيدا تضرب؟»، كنت قد أنكرت أن يكون «زيد»
بمثابة أن يضرب، أو بموضع أن يجترأ عليه و يستجاز ذلك فيه، و من أجل ذلك قدّم
«غير» في قوله تعالى: قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ
وَلِيًّا [الأنعام: 14]، و قوله عز و جل: قُلْ
أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ
غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ [الأنعام: 40]، و كان له من الحسن
و المزيّة و الفخامة، ما تعلم أنه لا يكون لو أخّر فقيل: «قل أ أتّخذ غير اللّه
وليّا» و «أ تدعون غير اللّه؟» و ذلك لأنّه قد حصل بالتقديم معنى قولك: «أ يكون
غير اللّه بمثابة أن يتّخذ وليّا؟ و أ يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك؟ و أ يكون
جهل أجهل و عمى أعمى من ذلك؟»، و لا يكون شيء من ذلك إذا قيل: «أأتخذ غير اللّه
وليا»، و ذلك لأنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط، و لا يزيد على ذلك، فاعرفه.
و كذلك الحكم في قوله تعالى:
فَقالُوا أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [القمر:
24]، و ذلك لأنهم بنوا كفرهم على أنّ من كان مثلهم بشرا، لم يكن
بمثابة أن يتّبع و يطاع، و ينتهى إلى ما يأمر، و يصدّق أنه مبعوث من اللّه تعالى،
و أنهم مأمورون بطاعته، كما جاء في الأخرى: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا
[إبراهيم: 10]، و كقوله عز و جل: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ
مَلائِكَةً [المؤمنون: 24].
فهذا هو القول في الضرب الأول، و
هو أن يكون «يفعل» بعد الهمزة لفعل لم يكن.
و أما الضرب الثاني، و هو أن يكون
«يفعل» لفعل موجود، فإن تقديم الاسم يقتضي شبيها بما اقتضاه في «الماضي»، من الأخذ
بأن يقرّ أنه الفاعل، أو الإنكار أن يكون الفاعل.
فمثال الأول قولك للرجل يبغي و
يظلم: «أ أنت تجيء إلى الضعيف فتغصب ماله؟»، «أ أنت تزعم أن الأمر كيت و كيت؟» و
على ذلك قوله تعالى: أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس: 99].
و مثال الثاني:
أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف: 32].
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 86