responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 85

و اعلم أنا و إن كنا نفسّر «الاستفهام» في مثل هذا بالإنكار، فإن الذي هو محض المعنى: أنه ليتنبه السامع حتى يرجع إلى نفسه فيخجل و يرتدع و يعيا بالجواب، إمّا لأنه قد ادعى القدرة على فعل لا يقدر عليه، فإذا ثبت على دعواه قيل له: «فافعل»، فيفضحه ذلك، و إمّا لأنه همّ بأن يفعل ما لا يستصوب فعله، فإذا روجع فيه تنبّه و عرف الخطأ، و إمّا لأنه جوّز وجود أمر لا يوجد مثله، فإذا ثبت على تجويزه قبّح على نفسه، و قيل له: «فأرناه في موضع و في حال، و أقيم شاهدا على أنه كان في وقت».

و لو كان يكون للإنكار، و كان المعنى فيه من بدء الأمر، لكان ينبغي أن لا يجي‌ء فيما لا يقول عاقل إنه يكون، حتى ينكر عليه، كقولهم: «أ تصعد إلى السماء؟»، «أ تستطيع أن تنقل الجبال؟»، «أ إلى ردّ ما مضى سبيل؟».

و إذ قد عرفت ذلك، فإنه لا يقرّر بالمحال، و بما لا يقول أحد إنه يكون، إلا على سبيل التمثيل، و على أن يقال له: «إنك في دعواك ما ادّعيت بمنزلة من يدّعي هذا المحال، و إنك في طمعك في الذي طمعت فيه بمنزلة من يطمع في الممتنع».

و إذ قد عرفت هذا، فممّا هو من هذا الضرب قوله تعالى: أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ‌ [الزخرف: 40]، ليس إسماع الصّم مما يدّعيه أحد فيكون ذلك للإنكار، و إنّما المعنى فيه التمثيل و التشبيه، و أن ينزّل الذي يظنّ بهم أنهم يسمعون، أو أنه يستطيع إسماعهم، منزلة من يرى أنه يسمع الصم و يهدى العمي ثم المعنى في تقديم الاسم و أن لم يقل: «أ تسمع الصمّ»، هو أن يقال للنبي صلى اللّه عليه و سلّم:

«أ أنت خصوصا قد أوتيت أن تسمع الصمّ؟»، و أن يجعل في ظنّه أنه يستطيع إسماعهم، بمثابة من يظنّ أنه قد أوتي قدرة على إسماع الصّمّ.

و من لطيف ذلك قول ابن أبي عيينة: [من الكامل‌]

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري،

أ طنين أجنحة الذّباب يضير؟

جعله كأنه قد ظنّ أنّ طنين أجنحة الذباب بمثابة ما يضير، حتى ظنّ أن وعيده يضير.


[1] البيت في الكامل (2/ 60) للمبرد تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، و عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة قال لعلي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- و كان دعاه إلى نصرة أبيه محمد بن جعفر حين ظهرت المبيضة فلم يجبه، فتوعده علي، فقال عبد اللّه:

 

أ عليّ إنك جاهل مغرور

لا ظلمة لك لا و لا لك نور

أ كتبت توعدني أن استبطأتني‌

إني بحربك ما حييت حديد

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 85
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست