اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 84
صرت كأنك قلت: إن غيرك الذي يستطيع منعي و الأخذ على يدي، و لست
بذاك، و لقد وضعت نفسك في غير موضعك، هذا، إذا جعلته لا يكون منه الفعل للعجز، و
لأنّه ليس في وسعه.
و قد يكون أن تجعله لا يجيء منه،
لأنه لا يختاره و لا يرتضيه، و أنّ نفسه نفس تأبى مثله و تكرهه. و مثاله أن تقول:
«أ هو يسأل فلانا؟ هو أرفع همة من ذلك»، «أ هو يمنع الناس حقوقهم؟ هو أكرم من
ذاك».
و قد يكون أن تجعله لا يفعله لصغر
قدره و قصر همته، و أن نفسه نفس لا تسمو. و ذلك قولك: «أ هو يسمح بمثل هذا؟ أ هو
يرتاح للجميل؟ هو أقصر همّة من ذلك، و أقل رغبة في الخير مما تظنّ».
و جملة الأمر أن تقديم الاسم يقتضي
أنك عمدت بالإنكار إلى ذات من قيل «إنه يفعل» أو قال هو «إني أفعل»، و أردت ما
تريده إذا قلت: «ليس هو بالذي يفعل، و ليس مثله يفعل»، و لا يكون هذا المعنى إذا
بدأت بالفعل فقلت: «أ تفعل؟». أ لا ترى أن من المحال أن تزعم أن المعنى في قول
الرجل لصاحبه: «أ تخرج في هذا الوقت؟ أ تغرّر بنفسك؟ أ تمضي في غير الطريق؟»، أنه
أنكر أن يكون بمثابة من يفعل ذلك، و بموضع من يجيء منه ذاك، لأن العلم محيط بأن
الناس لا يريدونه، و أنه لا يليق بالحال التي يستعمل فيها هذا الكلام. و كذلك محال
أن يكون المعنى في قوله جل و علا: أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ
أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ [هود: 28]، أنّا لسنا بمثابة من
يجيء منه هذا الإلزام، و أن غيرنا من يفعله، جلّ اللّه تعالى.
و قد يتوهّم المتوهّم في الشيء من
ذلك أنّه يحتمل، فإذا نظر لم يحتمل، فمن ذلك قوله:
أ يقتلني و المشرفيّ مضاجعي و قد
يظنّ الظانّ أنه يجوز أن يكون في معنى أنّه ليس بالذي يجيء منه أن يقتل مثلي، و
يتعلّق بأنه قال قبل: [من الطويل]
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه
ليقتلني و المرء ليس بقتّال
و لكنه إذا نظر علم أنّه لا يجوز،
و ذاك لأنه قال: «و المشرفيّ مضاجعي» فذكر ما يكون منعا من الفعل، و محال أن يقول:
«هو ممن لا يجيء منه الفعل»، ثم يقول:
«إنّي أمنعه»، لأن المنع يتصوّر فيمن يجيء منه الفعل، و مع من
يصحّ منه، لا من هو منه محال، و من هو نفسه عنه عاجز، فاعرفه.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 84