اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 83
كمن يوهم أنّه لا يعلم بالحقيقة أن الفعل كائن، و إذا قلت: «أ أنت
تفعل؟»، كان المعنى على أنك تريد أن تقرّره بأنه الفاعل، و كان أمر الفعل في وجوده
ظاهرا، و بحيث لا يحتاج إلى الإقرار بأنه كائن، و إن أردت ب «تفعل» المستقبل، كان
المعنى إذا بدأت بالفعل على أنك تعمد بالإنكار إلى الفعل نفسه، و تزعم أنه لا
يكون، أو أنه لا ينبغي أن يكون، فمثال الأول: [من الطويل]
أ يقتلني و المشرفيّ مضاجعي
و مسنونة زرق كأنياب أغوال؟
فهذا تكذيب منه لإنسان تهدّده
بالقتل، و إنكار أن يقدر على ذلك و يستطيعه.
و مثله أن يطمع طامع في أمر لا
يكون مثله، فتجهّله في طمعه فتقول: «أ يرضى عنك فلان و أنت مقيم على ما يكره؟ أ
تجد عنده ما تحبّ و قد فعلت و صنعت؟»، و على ذلك قوله تعالى: أَ
نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ [هود:
28].
و مثال الثاني، قولك لرجل يركب
الخطر: «أ تخرج في هذا الوقت؟ أ تذهب في غير الطريق؟ أ تغرّر بنفسك؟»، و قولك
للرجل يضيع الحقّ: «أ تنسى قديم إحسان فلان؟ أ تترك صحبته و تتغير عن حالك معه لأن
تغيّر الزمان؟» كما قال: [من الطويل]
أ أترك أن قلّت دراهم خالد
زيارته؟ إنّي إذا للئيم
و جملة الأمر أنّك تنحو بالإنكار
نحو الفعل، فإن بدأت بالاسم فقلت: «أ أنت تفعل؟» أو قلت: «أ هو يفعل؟»، كنت و جهت
الإنكار إلى نفس المذكور، و أبيت أن تكون بموضع أن يجيء منه الفعل و ممّن يجيء
منه، و أن يكون بتلك المثابة.
تفسير ذلك: أنك إذا قلت: «أ أنت
تمنعني؟»، «أ أنت تأخذ على يدي؟»
[1] البيت لامرئ القيس في ديوانه
[125] ، و هو من قصيدة قرينة
معلقته في الجودة، و قبله:
يغطّ غطيط البكر شد خناقه
ليقتلني و المرء ليس بقتال
و البيت في مفتاح العلوم
[461]
تحقيق د. عبد الحميد هنداوي. و أورده القزويني في الإيضاح (169، 208)، و الطيبي في
شرحه على مشكاة المصابيح (1/ 110) تحقيق د. هنداوي، و المشرفي: السيد المنسوب إلى
مشارف الشام، و هو قرى للعرب تدنو من بلاد الروم. و مسنونة زرق: مشاقص محدودة
بالسن، أو هي نصال الرماح، قال أبو عبيد البكري، و مسنونة يعني سهاما محددة
الأزجة. و زرق: صافية مجلوة. أغوال: همرجة (التباس و اختلاف) من همرجة الجن، و
إنما أراد التهويل قال المبرد: لم يخبر صادق أنه رأى الغول.
[2] البيت في الإيضاح
[141] ، و الأغاني لعمارة بن عقيل بن بلال بن
جرير (24/ 212)، و بعده:
فليت بثوبيه لنا كان خالد
و كان لبكر بالثراء تميم
فيصبح فينا سابق متمهل
و يصبح في بكر أغم بهيم
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 83