اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 68
فصل «في النظم يتّحد في الوضع، و يدقّ فيه الصّنع»
و اعلم أنّ ممّا هو أصل في أن يدقّ
النظر، و يغمض المسلك، في توخّي المعاني التي عرفت: أن تتّحد أجزاء الكلام و يدخل
بعضها في بعض، و يشتدّ ارتباط ثان منها بأوّل، و أن تحتاج في الجملة إلى أن تضعها
في النفس وضعا واحدا، و أن يكون حالك فيها حال الباني يضع بيمينه هاهنا في حال ما
يضع بيساره هناك. نعم.
و في حال ما يبصر مكان ثالث و رابع
يضعهما بعد الأوّلين. و ليس لما شأنه أن يجيء على هذا الوصف حدّ يحصره، و قانون
يحيط به، فإنه يجيء على وجوه شتّى، و أنحاء مختلفة.
فمن ذلك أن تزاوج بين معنيين في
الشرط و الجزاء معا، كقول البحتري: [من الطويل]
إذا ما نهى النّاهي فلجّ بي الهوى،
أصاخت إلى الواشي فلجّ بها الهجر
و قوله: [من الطويل]
إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها،
تذكّرت القربى ففاضت دموعها
فهذا نوع.
و نوع منه آخر، قول سليمان بن داود
القضاعيّ: [من الوافر]
فبينا المرء في علياء أهوى،
و منحطّ أتيح له اعتلاء
و بينا نعمة إذ حال بؤس،
و بؤس إذ تعقّبه ثراء
و نوع ثالث و هو ما كان كقول كثير:
[من الطويل]
و إنّي و تهيامي بعزّة بعد ما
تخلّيت ممّا بيننا و تخلّت
لكالمرتجى ظلّ الغمامة كلّما
تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت
و كقول البحتري: [من الطويل]
[1] البيت في التبيان للطيبي (2/ 400) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي
و يروى (أصاخ) بدل (أصاخت).
[3] البيتان لكثير عزة في ديوانه، و الأول منهما في خزانة الأدب
(5/ 214)، و الخصائص (1/ 340)، و سر صناعة الإعراب (ص 139)، و شرح شواهد المغني (ص
812)، و لسان العرب (هيم)، و مغني اللبيب
[389] ، و المقاصد النحوية (2/ 409) ..
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 68